Times of Egypt

الحقيقة متعددة الروايات 

M.Adam
أمينة خيري  

أمينة خيري 

إذا قُدِّر لي أن أُطلق اسماً على العصر الذي نعيشه، وأحدده هنا ببدء أحداث ما يسمى «الربيع العربي»، فسأسميه عصر «ضبابية الواقع»، أو «الحقيقة متعددة الروايات»، أو «تداخل الواقع والخيال والافتراض». 

أحداث عام 2011.. وضعتنا أمام الواقع الجديد. إنه الواقع الذي يحتمل فيه الخبر رؤيتين وثلاثاً وأربعاً، والمعلومة وجهين وثلاثة وأربعة. حتى الواقع.. صار يحتمل أن يكون واقعين وأكثر، بحسب موقعك في الكوكب، وموقع الآخرين في الكوكب بالنسبة لك. 

هل كانت أحداث «الربيع» – في عدد من الدول العربية – تظاهرات عفوية ناجمة عن الظلم والفساد؟ أم كانت مدبَّرة موجهة مخططة؟ 

هل تيارات الإسلام السياسي.. تؤمن حقاً بأنها مندوبة الله في الكوكب، وأنها وحدها من تملك حق الحكم والسلطة، وأن مشايخها ومرشديها ممثلون لله على الأرض، أم أنها تعلم أنها أفّاكة كذّابة منافقة؟ 

هل كانت مرحلة «العالم قرية صغيرة»، و«حوار الحضارات»، و«التعددية قوة»، و«نحترم اختلافنا ونعيش في سلام».. مثالية مفرطة ووهماً وخيالاً؟ أم كانت وسيلة لتمضية الوقت، وإنفاق المال، وتجميل الصورة؟ 

هل صعود اليمين المتطرف.. في دول غربية، هو الوجه الآخر لصعود اليمين المتطرف الإسلامي.. في دول إسلامية؟ أم هو صعود يعود إلى أسباب سياسية، تتعلق بعدم الرضا عن أداء القوى السياسية الأخرى، والأوضاع الاقتصادية، وحقبة فتح أبواب الهجرة واللجوء على مصاريعها.. دون حساب لليوم التالي؟ 

هل حماس أقدمت على عمل أرعن.. غير محسوب، حين قامت بعملية السابع من أكتوبر.. رغم أن طفلاً صغيراً، كان في إمكانه أن يعرف أن النتائج ستكون وبالاً على أهل غزة، وباقي الأراضي الفلسطينية.. مع تيسير إعادة رسم خريطة المنطقة؛ طبقاً لمشروع إسرائيل الأكبر؟ أم أن ما قامت به كان عملاً جليلاً، أيقظ القضية من غيبوبة، وصحّا العالم من غفلة؟ 

يمكن القول.. إن حرب القطاع الدائرة على مدار 21 شهراً، خير نموذج لضبابية الواقع، وتداخل الحقيقة مع الكذب، مع الواقع، مع الادعاء، مع الخيال والافتراض. ولا يمكن تحميل السوشيال ميديا، وتقنيات الذكاء الاصطناعي وحدها.. مسؤولية الضبابية القاتلة، التي جعلت من معادلة «واحد زائد واحد تساوي اثنين».. أمراً يستدعي الجد،ل ويحتمل أكثر من إجابة. العالم الرقمي.. ساهم – بقدر كبير – في إغراقنا في واقع خيالي افتراضي، فيه كذب سياسي، وادعاء ديني، ونصب واحتيال.. في كل التفاصيل؛ بما فيها التاريخ والجغرافيا. 

ولكن المسألة أكبر من ذلك. 

على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي عناوين – في وسائل إعلام.. «رصينة» عربياً وغربياً – «إسرائيل تتهم حماس بسرقة المساعدات الموجهة لغزة»، «حماس تتهم إسرائيل بوضع مواد مخدرة في المساعدات»، «مسؤولان إسرائيليان يؤكدان.. ألا دليل أن حماس تسرق المساعدات»، «غزّيون يتهمون حماس بالاستيلاء على المساعدات.. لبيعها»، «ترامب يتهم حماس بسرقة المساعدات»، «غزّيون يشكون من فساد أغذية المساعدات»، «غزّيون يشكرون كل من ساهم في إرسال المساعدات»، «عصابات فلسطينية.. تسرق المساعدات» والعناوين كثيرة. 

وللحديث عن الحقيقة الضائعة.. بقية.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة