Times of Egypt

الحاكم بأمر الله.. الخليفة الطيب والقاتل والمجنون

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار

الكتاب يتحدث عن عصر الحاكم بأمر الله الفاطمي، الذي احتل مكانة في ذاكرة المصريين خاصة.. بسبب ما نُسب إليه من سلوك، يصل إلى درجة الشذوذ؛ بتحريمه أكل الملوخية، ومنعه النساء من الخروج ليلاً، وإفراطه في قتل رجال البلاط، وقادة الجيش، والكُتاب.

كتاب يوحنا الأنطاكي – هو النص الوحيد المؤكد عن هذه الفترة – نُشر بعنوان: «السلطة والدين والعنف: قراءة في تاريخ يوحنا الأنطاكي».. بقلم الدكتور عمرو إسماعيل عدلي، ونشرته دار صفصافة.

يوحنا من طائفة الملكانيين – الآن تُعرف بالروم الأرثوذكس – وأصبح يوحنا بطريرك الإسكندرية لمدة 20 عاماً، ثم ترك مصر، وعاش في أنطاكية سنواته الأخيرة. في عصره شُيِّدت القاهرة، وأصبحت مصر شيعية.

ويُفهم من نص يوحنا، أن سلطة حاكم جبار.. مثل الحاكم بأمر الله، لم تكن تتجاوز مدينة القاهرة والفسطاط. أما ما هو أبعد من ذلك، فكان يمر عبر وسطاء، لديهم ولاء للسلطة، لم يتمكن الحاكم من هدم دير وادي النطرون – بجوار القاهرة – فما بالك بتونس أو اليمن وكلها تابعة له.

في كتابه تجد أخباراً عن طوائف دينية مختلفة، وقبائل وعشائر ورعاع وبلطجية. كان الدين والسياسة متداخلين.. أشد التداخل، ويقول إن قبول التعدد الديني.. كان أسهل من قبول التعدد المذهبي.. داخل الدين الواحد. وكانت هناك ضغوط علي المسيحيين، وبدرجة أقل علي اليهود.. للتحول للإسلام.

كانت أسرة الحاكم على علاقة وثيقة مع العبيد والجواري.. لضمان ولائهم، وكان جيشه قوامه من البربر والأتراك. الدولة الفاطمية تكونت في تونس، من الشيعة الإسماعيلية. وحاولوا دخول مصر ثلاث مرات، حتى نجح المعز وجوهر الصقلي في المرة الثالثة. ولأن مصر كانت في فوضى.. بعد وفاة الحاكم كافور الإخشيدي – الذي كان عبداً حبشياً – دخلوها دون حرب أو مقاومة.. مقابل تأمين الناس على أنفسهم وأموالهم.

وتقدم الفاطميون.. فاستولوا على فلسطين والشام والحجاز. وفي عام 1007م، أصدر الحاكم أمراً بمنع أكل الملوخية، وعُد ذلك دليلاً على اختلال عقله، بينما لم تمنع السلطة تصنيع وبيع الخمور.. إلا في فترات محدودة. وأصدر الحاكم أمراً بنفي جميع المغنين وأصحاب الملاهي، وتسييرهم خارج البلاد. ويقول يوحنا: إن الحاكم كان يعود في الكثير من قراراته، وكان تنفيذ هذه الأوامر يتم مركزياً.. في المناطق القريبة من السلطة فقط.

قام الحاكم بتحديد حد أقصى لبيع العسل، وقام بإحراق خمسة آلاف قنطار من الزبيب، وأمر بسكب العسل في نهر النيل، وقام الأهالي بصناعة الخمور من العنب، فأمر الحاكم بمنع بيع العنب.

وفجأة أظهر الحاكم الزهد في الملابس، وتوقف عن ركوب الخيل، واستبدلها بالحمير.. التي كان يسير بها في شوارع القاهرة. ومنع تقبيل اليد، ومنع الناس من مخاطبته بـ «مولانا»، وأن تكون المخاطبة بـ «أمير المؤمنين». وطبقاً للمذهب الإسماعيلي.. كان الحاكم أقرب لنبي، ولكن لا يُوحى إليه.

يثير سلوك الحاكم ذهول يوحنا؛ فهو فجأة.. يعطف على الفقراء، ولكنه يقتل العديد من الوزراء والأمراء وقادة الجند والكُتاب، دون مصادرة أموالهم. ويراه أمراً عجيباً، لأن مصادرة الأموال.. كانت أمراً طبيعياً عند باقي الحكام. ويستغرب يوحنا.. أن الحاكم أسقط الرسوم والمكوس (الجمارك) على الكثيرين، ومنع المصادرة، وأرجع عقارات مصادرة إلي أصحابها.

ومع كل هذا الزهد، وقراءة القرآن في القصر.. كانت له علاقات غريبة بشيخ خليع، ويطلب من بعض رفقائه في الشارع، أن يُبرزوا أعضاءهم الجنسية، وهو ما يدل على اختلاله نفسياً، فكان يأمر بممارسة الجنس بين أحد عبيده والشيخ الخليع أمامه، ويطرب لذلك.

ويقول يوحنا: إننا أمام حاكم.. عنده ضرب من ضروب المناخوليا، ويصف مرضه النفسي. ويقول يوحنا: إن الرعايا والرعاع يجتمعون في الأسواق.. بين يدي الحاكم، فيصارعون ويتدافعون ويتلاكمون، والحاكم حاضر وسعيد.. وهو أمر غريب، لأن الحكام كانوا دائماً مفصولين عن المحكومين.

وفجأة قرر أن يلبس المسيحيون واليهود الزنار – وهو حزام حول الوسط لتمييزهم – وأمر بأن يُكتب على المساجد والحيطان.. لعن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، وسائر خلفاء بني عباس. وفي عهده، تم هدم ثلاث كنائس قديمة، وبنى جوامع مكانها، ومنع الاحتفال السنوي بعيد المسيحيين، وهدم كنيسة القنطرة، وكان العنف الطائفي موجهاً من الحاكم. واستهدف النساء من أسرته؛ فاستولى علي أملاك أمه وأخته وعماته وزوجته.

وفي شهر رمضان، قام بهدم دير القصير.. داخل المقطم، ونهب جميع محتوياته. وفي عيد الغطاس، كان الناس يخرجون للغطاس في النيل. فأمر الحاكم الشرطة المسلمين.. بألا ينكدوا على النصارى في عيدهم ،ويتركوهم يستخدمون المشاغل، ويغطسون في النيل. وقام بتقليص الموظفين من النصارى.. في دواوين الحكومة.

وبعد أن توقفت الحرب مع الروم، أمر الحاكم برفع الاضطهاد عن المسيحيين، وإعادة بناء الكنائس التي هُدمت. واستدعى الحاكم تواضروس، وطلب منه أن يكون مطران القاهرة، ورد أوقاف الكنيسة. وبعد هذا التسامح، ذهبت مجموعة من المسيحيين – الذين دخلوا الإسلام قهراً وخوفاً من الحاكم – وقالوا: لقد دخلنا الإسلام بغير رغبتنا؛ إما أن تتركنا نعود إلى المسيحية، أو تقتلنا، وهذا يعني أن اضطهاد المسيحيين.. لم يكن شائعاً قبل الحاكم.

يقول يوحنا: إن محمد إسماعيل الدرزي.. حضر لمصر، وتقرب للحاكم.. الذي ساعده، وأصبح له أتباع من الدروز، وقُتل أخيراً.. بعد أن حدثت فتنة، وأغلقت أبواب القاهرة ثلاثة أيام. وكان قدر العنف رهيباً.. من حرق البيوت، ونهب الأموال، وسبي الحريم. وبدأ شعور عام لدى المصريين.. أن الحاكم ينتمي للدعوة الدرزية، وهو يريد إدخال المصريين فيها.

وخرج الحاكم – مع صبي وحماره – وحده في الصحراء، فقتله مجموعة من البدو. ولما لم يعد، خرجت أخته «ست الملك».. للبحث عنه، فوجدوا ملابسه مغطاة بالدماء، ولم يجدوا جثته، ويشك البعض أنها كانت وراء قتله، ومات وعمره 37 عاماً، بعد أن حكم 25 عاماً.

التاريخ المصري – الموثق عن كتاب يوحنا الأنطاكي – يوضح حجم الكوارث.. التي حدثت في مصر، بسبب حكام مختلين عقلياً، دمروا الوطن وأعاقوا تقدمه.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة