Times of Egypt

الجيش اللبناني يسلك طريقا سياسيا وعرا لحصر السلاح بيد الدولة

M.Adam

 قال مصدران لرويترز إن الجيش اللبناني فجر عددا كبيرا من مخازن أسلحة جماعة حزب الله لدرجة أن المتفجرات التي بحوزته نفدت، وذلك في وقت يسابق فيه الزمن للوفاء بمهلة تنتهي بنهاية العام الحالي لحصر السلاح بيد الدولة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع إسرائيل.

وقال المصدران، وأحدهما أمني والآخر مسؤول لبناني، إن النقص في المتفجرات، الذي لم تفد أي تقارير به من قبل، لم يمنع الجيش من تسريع وتيرة مهام التفتيش للبحث عن أسلحة مخبأة في الجنوب، بالقرب من إسرائيل.

وكان من المستحيل تصور أن يشرع الجيش اللبناني في مثل هذه المهمة عندما كانت جماعة حزب الله المدعومة من إيران في أوج قوتها قبل بضع سنوات فقط، وحتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار، شكك العديد من المراقبين في إقدامه على ذلك.

لكن الجماعة تضررت بشدة من الحرب مع إسرائيل العام الماضي، التي أودت بحياة آلاف المقاتلين وكبار قيادات الجناحين العسكري والسياسي للجماعة، بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله. كما قتلت الحرب أكثر من 1100 امرأة وطفل، ودمرت مساحات شاسعة من جنوب لبنان وشرقه.

وتواصل الولايات المتحدة الضغط على لبنان لنزع سلاح الجماعة التي تصنفها واشنطن إرهابية. وتتواجد مورجان أورتاجوس نائبة مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط في بيروت هذا الأسبوع لمناقشة التقدم المحرز في عملية نزع السلاح مع مسؤولين لبنانيين.

وقال أحد المصدرين ومسؤولان آخران مطلعان على أنشطة الجيش في الآونة الأخيرة إن الجيش يكتفي الآن بإغلاق المواقع التي يعثر عليها بدلا من تدميرها لحين وصول دفعات أمريكية من العبوات الناسفة وغيرها من المعدات العسكرية.

وأفاد المسؤولان الآخران المُطلعان بأن عمليات التفتيش أسفرت عن العثور على تسعة مخابئ أسلحة جديدة في سبتمبر أيلول. وذكر المصدر الأمني أنه تم أيضا إغلاق عشرات الأنفاق التي كانت الجماعة تستخدمها، ويجري تجنيد المزيد من الجنود للانتشار في الجنوب.

وتحدثت رويترز إلى 10 أشخاص بينهم مسؤولون لبنانيون ومصادر أمنية ودبلوماسيون ومسؤول من حزب الله، قالوا جميعا إن الجيش يتوقع استكمال مسح الجنوب بحلول نهاية العام.

وسيمثل الوفاء بالموعد النهائي إنجازا كبيرا بالنسبة لمؤسسة كانت في السابق غير قادرة أو غير راغبة في منع حزب الله من إعادة بناء وجود عسكري بالقرب من إسرائيل بعد حرب سابقة في 2006، وبالنسبة لبلد كانت جماعة حزب الله فيه ذات يوم القوة السياسية المهيمنة.

* الجيش يتقدم بحذر في أماكن أخرى بلبنان

لكن التقدم في بقية أنحاء البلاد يبدو أنه غير مؤكد بنفس القدر.

وقال مسؤول لبناني ثان قريب من حزب الله ومصدران أمنيان إنه رغم التقدم الذي أحرزه الجيش، فإنه يريد تجنب تأجيج التوتر وكسب الوقت للسياسيين اللبنانيين للوصول إلى توافق في الآراء بشأن ترسانة الجماعة في أجزاء أخرى من البلاد .

ولم ينشر الجيش صورا لعمليات تدمير مخابئ الأسلحة، ولم يعلن حتى أن الأسلحة تعود لحزب الله.

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر تشرين الثاني 2024، والذي أنهى الأعمال القتالية التي استمرت لأكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله، وافق لبنان على أن يقتصر حمل السلاح في البلاد على قوات الأمن التابعة للدولة. وقد يعني هذا نزع سلاح حزب الله بالكامل.

وأعلنت الجماعة التزامها بوقف إطلاق النار، لكنها ليست من الموقعين عليه رسميا. وتصر الجماعة على أن نزع السلاح، حسبما ورد في نص الاتفاق، ينطبق فقط على جنوب لبنان.

وذكر المصدران الأمنيان والمسؤول اللبناني الثاني أن مجلس الوزراء أقر في الخامس من سبتمبر أيلول خطة أكثر تفصيلا تتألف من خمس مراحل لحصر حمل السلاح على الدولة، بدءا من الجنوب ثم الانتقال تدريجيا إلى الشمال والشرق.

وقال الجيش إنه سيطهر الجنوب بحلول ديسمبر كانون الأول، دون أن يلتزم بجدول زمني بالنسبة لباقي البلاد. وقالت الحكومة إن الخطة مشروطة بتوقف إسرائيل عن شن غارات جوية، والتي استمرت رغم وقف إطلاق النار. واتفقت جميع المصادر على أن الجيش سيضطر إلى خوض مسار سياسي وعر للوصول إلى نزع السلاح الكامل.

وعزا إد جابرييل الذي يرأس مجموعة العمل الأمريكية من أجل لبنان، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، والذي التقى مع قادة عسكريين وساسة لبنانيين في أكتوبر تشرين الأول، النهج الحذر الذي يتبعه الجيش إلى احتمال اندلاع اضطراب مدني إذا تحرك بسرعة كبيرة خارج الجنوب.

وقال “هي مقاربة لبنانية بشأن مسألة نزع السلاح”.

ولم تعارض جمعة حزب الله السيطرة على مخازن أسلحة غير مأهولة بعناصرها في الجنوب، ولم تطلق النار على إسرائيل منذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر تشرين الثاني. ومع ذلك، ترفض علانية التنازل عن أسلحتها في أماكن أخرى، ملمحة إلى احتمال اندلاع صراع إذا ما تحركت الدولة ضدها.

وقال المصدران الأمنيان والمسؤول اللبناني الثاني إن التحرك شمالا وشرقا دون توافق سياسي يهدد بمواجهة مع مقاتلي حزب الله أو احتجاجات في الشوارع من الشيعة في لبنان الذين لا تزال الجماعة تحظى بشعبية بينهم.

وفي بيان مكتوب لرويترز، قال المكتب الإعلامي لحزب الله إن وقف إطلاق النار يعني أن الجيش اللبناني مسؤول مسؤولية كاملة عن المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني، وهو نهر يمر في جنوب لبنان بالقرب من إسرائيل.

لكنه أضاف أن أي جهود لنزع السلاح شمالي النهر سوف تتطلب توافقا سياسيا.

وقال مسؤول لبناني مقرب من الجماعة “الباقي.. يعتمد على التسوية السياسية التي لا نملكها بعد. الجيش يراهن على الوقت”.

وقال مسؤول لبناني لرويترز إن الجيش ما زال يخشى حدوث انقسام مرة أخرى بداخله في حالة اندلاع مواجهة مع أنصار حزب الله، وذلك بعد الانقسام الذي حدث خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما في لبنان.

وفي كلمة ألقاها يوم الأحد، وصف الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم نهج الجيش بأنه جيد ومتوازن، لكنه أصدر أيضا تحذيرا، قائلا إنه يأمل ألا يفكر الجيش في الصدام مع البيئة الشيعية.

ولم تُجب المكاتب الإعلامية للجيش اللبناني ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية على أسئلة من رويترز بشأن ما ورد في هذا التقرير. ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلبات التعليق.

* العثور على عدد من مخابئ الأسلحة وتدميرها

قال مصدران أمنيان لرويترز إن الجيش ليست لديه معلومات خاصة به حول أماكن تواجد مخزونات حزب الله. وأضافا أن الجيش يعتمد على معلومات استخباراتية تقدمها إسرائيل إلى ما يطلق عليها في لبنان اسم “الميكانيزم”، في إشارة إلى لجنة أُنشئت بموجب اتفاق الهدنة ترأسها الولايات المتحدة وتضم فرنسا وإسرائيل ولبنان وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وأضاف المصدران أنه في أواخر مايو أيار، كان الجيش يتلقى تقارير كثيرة من الآلية لدرجة أنه لم يكن يستطيع مواكبة طلبات التفتيش.

وذكر المصدران أنه عند عثور القوات على مستودع، فإنها تحتفظ بأي ذخيرة أو معدات جديدة تتوافق مع أسلحتها بينما تدمر الصواريخ ومنصات الإطلاق وغير ذلك.

وأشارت بيانات اليونيفيل إلى أن عمليات نفذتها قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجنوب أسفرت عن اكتشاف أنفاق بطول عشرات الأمتار وذخائر غير منفجرة.

واستُنفد مخزونات الجيش من المتفجرات بحلول يونيو حزيران. وفي أغسطس آب، لقي ستة عسكريين حتفهم أثناء محاولتهم تفكيك مستودع أسلحة. ولم يتسن لرويترز تحديد تفاصيل إضافية لملابسات الواقعة.

وتبدي الولايات المتحدة حرصا على المساعدة، فقد أعلنت في سبتمبر أيلول تقديم مواد لازمة للهدم وغيرها من المساعدات بقيمة 14 مليون دولار لدعم القوات اللبنانية من أجل “إضعاف حزب الله”، ووافقت على مساعدات بقيمة 192 مليون دولار للجيش في اليوم السابق لإغلاق الحكومة الأمريكية.

ودافعت السناتور الأمريكية جين شاهين عن هذه المساعدات بعد زيارة إلى جنوب لبنان في أغسطس آب والتي تركت انطباعا لديها بشأن أهمية جهود الجيش واقتنعت بحاجته إلى مزيد من الدعم، وفقا لما قاله مساعد يعمل في مكتبها لرويترز.

وكشف مصدر مطلع أن تسليم المواد المتفجرة إلى لبنان قد يستغرق شهورا.

هل سيفعلون أم لا؟

في الأشهر القليلة الماضية، بدا موقف جماعة حزب الله من مستقبل أسلحتها متقلبا. فقد حذرت الجماعة في بيانات علنية الدولة من محاولة الاستيلاء على ترسانتها لكنها قالت أيضا إنها مستعدة لمناقشة مصير أسلحتها إذا التزمت إسرائيل بوقف إطلاق نار حقيقي.

وفي الجلسات المغلقة، قال المسؤول اللبناني المقرب من الجماعة إن بعض ممثليها طرحوا إمكانية إحراز تقدم في مجالات أخرى إذا جرى السماح بعودة الشيعة للقرى والبلدات التي دمرتها الحرب، فيما يرفض آخرون نزع السلاح بشكل قاطع وتحت أي ظروف.

وذكر المسؤول اللبناني المقرب من حزب الله ومصدر سياسي لبناني أن الجماعة لا تزال تجري مناقشات داخلية بشأن مستقبل ترسانتها وأنها تحاول أيضا كسب وقت.

وقالت الجماعة في بيانها المكتوب “الموقف الدقيق في مسألة السلاح يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي وانسحابه من الأراضي اللبنانية المحتلة وإعادة الأسرى وضمان إعادة الإعمار”.

* الخطوات التالية تشكل تحديا

تقول المصادر الأمنية إن نقص المعلومات يصعّب على الجيش تقدير ما خزنته الجماعة بالضبط وأين، بما في ذلك في البقاع الشرقي، وهو سهل مترامي الأطراف يُعتقد أن الجماعة تخزن فيه الجزء الأكبر من صواريخها بعيدة المدى وأسلحتها الاستراتيجية الأخرى.

وقدمت إسرائيل بعض التقارير عن أسلحة في مناطق شمال الليطاني لكن الجيش اعتبرها حساسة للغاية بحيث لا يمكن التحرك بشأنها دون توافق في الآراء بشأن ما إذا كان ينبغي نزع سلاح حزب الله هناك وكيفية القيام بذلك، وفقا لأحد المصادر الأمنية وأحد الدبلوماسيين المقيمين في لبنان.

وأشار مسؤولون مطلعون على اجتماع مجلس الوزراء إلى أنه على الرغم من تقديم معلومات استخباراتية بشأن مواقع للأسلحة، فإن إسرائيل تمثل عقبة أخرى في الجنوب.

وذكر مصدران أمنيان أن عددا من الجنود أصيبوا بنيران إسرائيلية خلال قيامهم بمهام تفتيش. وقالت اليونيفيل إن طائرات إسرائيلية مسيرة أسقطت قنابل يدوية بالقرب من جنود وقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في الجنوب.

وأضاف المصدران الأمنيان أن الجيش يحذر أيضا من أن احتلال إسرائيل لخمس قمم تلال داخل لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل قد يعطل إجراء عملية تمشيط كاملة للمنطقة.

وقال المصدران إنه عندما حاولت القوات اللبنانية إقامة برج مراقبة بشكل بدائي لمراقبة الحدود، اعترضت إسرائيل. ولم يتم نشر قوات في البرج حتى الآن.

ولم يرد الجيش الإسرائيلي على أسئلة حول إصابة الجنود اللبنانيين وبرج المراقبة المهجور.

وأكد مساعد الكونجرس أن واشنطن حريصة على أن يمضي لبنان بسرعة في عملية نزع السلاح في بقية أنحاء البلاد بعد الوفاء بالموعد النهائي المحدد بنهاية العام للجنوب. وسبق أن حذر المبعوث الأمريكي توماس براك من إجراء إسرائيلي محتمل إذا لم يتم الوفاء بهذا الموعد النهائي.

وقال جابرييل “ترى الولايات المتحدة أن لبنان بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد، وبسرعة أكبر”.

وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ردا على أسئلة من رويترز أن “الولايات المتحدة تدعم تماما قرار لبنان الشجاع والتاريخي بنزع سلاح حزب الله”.

وأضاف “المنطقة والعالم يراقبان الوضع عن كثب”.

شارك هذه المقالة