زياد بهاء الدين
الجدل الدائر هذه الأيام – حول من سيشغل العام القادم منصب أمين عام جامعة الدول العربية – جدل عقيم.. طالما بقيت الجامعة على وضعها الراهن.
لو كان هناك موضوع واحد.. يتفق عليه الرأي العام العربي – ضمن خلافاته الكثيرة – فهو أن الجامعة التي نشأت عام 1945، لم يعُد لها دور واضح ولا تأثير ملموس. هذا التراجُع ليس خطأ المؤسسة أو القائمين عليها، ولا هو وليد السنوات الأخيرة، بل يرجع لما قبل ذلك بفترة طويلة، شهد الوطن العربي خلالها حروباً أهلية واحتلالاً أجنبياً، وانهيار دول وانقسام دول أخرى، ومجاعات وصراعات.. لم تنجح الجهود العربية في وقفها، بل ساهمت أحياناً في تأجيجها انتصاراً.. لفريق على فريق آخر.
والحقيقة أن الجامعة العربية مؤسسة.. صارت تنتمي للقرن الماضي، وقد تشكلت نتيجة تفاعل أربعة مؤثرات كبرى: (أ) النظام الدولي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وعلى قمته الأمم المتحدة ومؤسسات «بريتون وودز» المالية. (ب) التيارات القومية وحركات الاستقلال الوطني التي أعادت رسم خريطة العالم النامي، وأطلقت طاقاته وأحلامه. (ج) الريادة المصرية ومركزية القاهرة كعاصمة للوطن العربي.. خاصة خلال الحقبة الناصرية. وأخيراً (د) الصراع العربي-الإسرائيلي الممتد من منتصف القرن الماضي.
هذه المؤثرات الأربعة.. تطورت، ولم تعد معبرة عن الواقع العربي المعاصر: النظام القانوني والمؤسسي الدولي.. آخذ في التراجع منذ مطلع القرن. وتيارات القومية والتحرر الوطني.. أنهت دورها بتحقيق جانب من أهدافها (وليس كلها)، وحلَّ محلها الانشغال بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والوطن العربي لم يعد له مركز ثقل سياسي وثقافي واحد، بل صارت فيه مراكز وأقطاب متعددة. أما الصراع العربي-الإسرائيلي.. فقد تحول إلى معركة إبادة، يقف فيها الشعب الفلسطيني وحده في مواجهة إسرائيل.. التي تدرك أن خصمها لم يعد الأمة العربية مجتمعة. ولكن بينما الزمن تغير، والظروف اختلفت، فإن الجامعة العربية بقيت على حالها.. باستثناء بعض الجهود الإصلاحية التي طرأت من وقت لآخر.
لهذا، فإن أي حديث عن تجديد جامعة الدول العربية – مهما كان مخلصاً – لن يسفر عن تغيير حقيقي، ولن يعيد لها وضعها وفاعليتها، طالما ظل محكوماً بذات الإطار القانوني، والأهداف العامة، والبنية الإدارية، والتراث الدبلوماسي العتيق.
الذي يحتاجه الوطن العربي هو إعادة تفكير في الجامعة.. بشكل إجمالي. في ضوء ظروف اليوم.
وأظن أن ما نحتاجه، هو التعاون والتنسيق والتكامل في الأمور الاقتصادية والاجتماعية: قوانين العمل ونظم الجمارك والضرائب، والنظم القانونية، والمعايير الصناعية والقياسات، والبرامج الاجتماعية، والهجرة، وغيرها.. مما صارت تهتم به – وتركز عليه – المنظمات الإقليمية الناجحة في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، دون ادعاء القيام بدور سياسي كبير.. لم يعد حقيقياً ولا واقعياً.
هذا جهد كبير، وعلى مصر أن تشارك فيه.. بكل حماس، وبحسن نية، بدلاً من مقاومة التغيير.. حتى لا نجد أنفسنا خارجه بالكامل.
نقلاً عن «المصري اليوم»