أمينة خيري
البعض في الإعلام العربي.. يؤكد أن شعبية إسرائيل في العالم تحتضر، وأن أفعالها الشنعاء تِستقبل بغضب بالغ ورفض كامل، وأن الرأي العام الغربي بات رافضاً لها. وهذا جزئياً صحيح، وذلك إذا اعتمدنا على استطلاعات رأي معينة، وتقارير إعلامية دون غيرها، وسؤال أصحاب أيديولوجيات وانتماءات فكرية وثقافية وإنسانية محددة.
قلت «جزئياً»، فكما أن هناك استطلاعات غربية تؤكد انخفاض شعبية إسرائيل، هناك أخرى تشير إلى قبول لإسرائيل أكثر من الدول العربية، وعلى وجه الخصوص فلسطين وأهلها.
وكما أن هناك رفضاً مطلقاً لما يجري في غزة، هناك رفض مخفف، ورفض مصحوب بـ «ولكن ما اقترفته حماس يستحق هذا»، ورفض من نوعية «أرفض هذا».. ولكن «أرفض ذاك أيضاً». غاية القول، ما نسمعه عن أن العالم يقف وقفة شخص واحد رافضاً لإسرائيل.. وما تقترفه، يبرد قلوبنا قليلاً ويهدئ روعنا بعض الشيء، لكن التبريد والتهدئة لهما مفعول التلطيف والتسكين، لا العلاج وإعادة البناء. وأضيف إلى ذلك – إن شئنا أو أبينا، اعترفنا أو أنكرنا، أحببنا سماع ذلك أو صممنا آذاننا – إسرائيل والإسرائيليون.. أقرب إلى الغرب منا لأسباب كثيرة؛ بعضها يتعلق بالفكر والثقافة، وطريقة عرض القضايا، والتطرق إلى الخلافات والاختلافات، بالإضافة إلى أسباب تاريخية وفكرية «واستثمارية».
استثمرت إسرائيل – منذ نشأة فكرتها أصلاً في كيانها – لوبيهات، ومراكز فكر، وجماعات ضغط، ومال وأعمال ورجال أعمال، وإعلام، ورأي عام، وتواجد قوي في صميم المشهد السياسي.. في الدول المؤثرة وأحياناً غير المؤثرة، وبالطبع حضور اقتصادي طاغ، وخطاب مستدام بلغة تفهمها تلك الشعوب، لا أغنيات وطنية أو موضوعات إنشائية، أو تهديدات عنترية. وقائمة العوامل والأسباب التي تجعل إسرائيل.. أقرب للشارع والحكم الغربيين طويلة.
أعود إلى العوامل التلطيفية والتسكينية – التي تهدئنا لدى سماعها ومشاهدتها.. من تظاهرات منددة بالوحشية، وعرائض مطالبة بحقوق الطرف المعتدى عليه، بل وتحرك بعض الدول للاعتراف بدولة فلسطينية وغيرها – وجميعها أمور مهمة، لكنها أبعد ما تكون عن كونها حاسمة للوضع الراهن، أو مرجِّحة كفة الفلسطينيين لدى الغرب.
على سبيل المثال لا الحصر، كتب أستاذ العلوم السياسية الأمريكي دانيل دريزنر.. مقال رأي في «بوليتيكو» – قبل أيام – عنوانه «الأمريكيون يغيرون نظرتهم لإسرائيل. هذه مشكلة» قبل أيام. وضمن ما جاء فيه.. أنه حضر لقاءً مفتوحاً مع عضو الكونجرس الديمقراطي عن ماساتشوستس جايك آكونكلاس، وحين سُئل – في هذه الدائرة المعروفة بأعداد اليهود الكبيرة – عما ينوي عمله في شأن المجاعة في غزة، قال «المجاعة أمر سيئ، وأن تكون مؤيداً لإسرائيل وللفلسطينيين.. ليس تناقضاً، ومسؤولية إنهاء الصراع تقع على عاتق حماس».
ورغم أن كاتب المقال يحذر من آثار سيئة طويلة الأمد على سمعة إسرائيل.. بسبب ما تقترفه، إلا أن الحديث عن آثار تضر بالسمعة، أو تعرض التضامن لبعض التآكل.. ليس انتصاراً للطرف الآخر؛ فالانتصار يتطلب أشياء أخرى. والهوة سحيقة بين الحقيقة والمسكنات.
نقلاً عن «المصري اليوم»