Times of Egypt

التهجير والوطن

M.Adam
أمينة خيري  

أمينة خيري..

يمكنك أن تنتقد عملية السابع من أكتوبر، وتعتبرها تهوراً.. غير محسوب العواقب، أو ربما محسوباً؛ ما يعكس اختلافاً شاسعاً.. في قوائم أولويات الجميع، بدءاً بأهل غزة أنفسهم، مروراً بما تبقى من القضية الفلسطينية، وانتهاء بمردود العملية على دول المنطقة، وفي الوقت نفسه ترفض – بشتى أشكال الرفض – ما تخطط له أمريكا لإسرائيل والمنطقة.
ويمكنك أن تتخذ موقفاً لا يقدس «حماس» وقادتها.. بالضرورة، وفي الوقت نفسه.. لا يعتبرك من حولك خارجاً عن الملة، أو «متصهيناً»، أو متخلياً عن القضية.
ويمكنك أن ترفض التهجير.. حتى ولو كان ذلك بصفة مؤقتة، ولديك قائمة من الأسباب المتصلة بمخاوف نشر أفكار.. بذلت أنت الغالي والرخيص لمناهضتها، وإنقاذ بلدك وأهلك وناسك منها (وما زلت تناهضها). وفي الوقت نفسه، لا يضعك من حولك في خانة «قساة القلوب»، بل وربما الكفار وأعداء الدين.
ويمكنك أن تظل حاملاً القضية.. في قلبك وعقلك ولسانك وجيبك، دون أن يحتم عليك الكوكب.. أن تبرهن على ذلك، بخوض حرب ضروس بالنيابة عن آخرين، ولو تحت ضغط تعرضك المستمر لاتهامات، لا يجرؤ من يوجهونها على تصويبها.. إلا عليك أنت وحدك.
ويمكنك أن تقدم كل ما في جعبتك.. من دعم لهذا الشعب الأبي العظيم، الذي سيظل مشهد عودته وسط الركام – عائداً من الركام إلى الركام – محفوراً في ذاكرة الأرض. وذلك دون أن تفقد أرضك وتفرط في وطنك.
ويمكنك أن تنظر إلى خريطة الإقليم، وتتمعن في تطور سياسات وتوجهات وعلاقات الدول من حولك، بالإضافة لما يجري هنا وهناك من حروب وصراعات – بعضها تحول إلى مزمن – وذلك قبل أن تطلق العنان لحنجوريات «على القدس رايحين.. شهداء بالملايين».
خُذ دقيقة، ونفساً عميقاً، وابحث في التفاصيل الحنجورية: من يصنعها؟ ومن يطلقها؟ ومتى؟ ولماذا يختص بها شعوباً وأنظمة ودولاً دون أخرى؟ وهل قدم صانعو الصياح تصوراً لكيفية تنظيم وتدريب وتمويل وتوحيد الشهداء بالملايين.. قبل إرسالهم إلى القدس؟ ومن المستفيد من تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية دينية، يعتنقها المسلمون وحدهم، وليست قضية احتلال وعدوان واغتصاب وقتل وإبادة وتهجير؟!
مَن منا لا يحلم بالقدس؟! من منا لا يتمنى حل الدولتين.. الآخذ في التلاشي والتبدد؟ من منا لا تشكل القضية الفلسطينية جزءاً أساسياً من نشأته وثقافته وبنيانه؟
موقف مصر واضح وصريح. ولولا أن الرئيس الأمريكي ترامب شخصياً.. تحدث عن التهجير غير مرة، لاستمر «شاربو بول البعير» في التشدق بأن مخطط التهجير.. وهم وخيال، وفزاعة تستخدمها مصر، إلى آخر قائمة إبداعات ماكينات، تبث سمومها على أثير الـ«سوشيال ميديا» ليلاً ونهاراً.
وبهذه المناسبة، يمكنك أن تكون معارضاً لأوضاع داخلية، وسياسات وإجراءات.. في مجالات السياسة أو الاقتصاد أو التموين أو التعليم أو المرور، وفي الوقت نفسه تدعم وتساند قيادتك السياسية؛ فبدون وطن، لا سياسة أو اقتصاد أو معارضة أو «سوشيال ميديا».
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة