Times of Egypt

التهجير القسري للفلسطينيين 

M.Adam
نبيل فهمي

نبيل فهمي 

منذ نشر مقالي الأول عن اقتراح دونالد ترامب استيعاب الأردن ومصر لمزيد من الفلسطينيين، والرئيس الأمريكي يضيف الزيت على النار ويبلور ويتوسع في اقتراحه الغريب. 

وذكر أنه يريد إخلاء قطاع غزة من كافة الفلسطينيين.. وليس فقط من بعضهم، وبشكل نهائي ولا عودة، قبل أن تقوم المتحدثة الرسمية بتوضيح أن المقصود.. هو التهجير المؤقت، والحقيقة أن ترامب كان صادقاً فيما قاله، لأن غرضه هو إخلاء القطاع من سكانه كلية، متجاهلاً – وغير معني – بأن الشعب الفلسطيني له الحق  في الحياة على أرضه وفي وطنه، وأن العالم يسعى إلى حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي بتمكين الشعبين الحياة بسلام في دول مستقلة، وليس تصفية شعب لصالح الآخر، ولم يكن التهذيب الرسمي الأمريكي.. سوى بغرض تجنب فجاجة تعارض الاقتراح مع القانون الدولي صراحة، حيث سبق واعتبرت محكمة نورمبرج – المشكلة أمريكياً بعد الحرب العالمية الثانية – التهجير القسري والإبادة الجماعية.. مخالفة صريحة للقانون الدولي وجريمة ضد الإنسانية.  

ووسع ترامب الاقتراح من استيعاب دولتين للفلسطينيين، بما قد يوحي أنها عملية محدودة مؤقتة، وأن تظل غير مشروعة، ثورة بأن الترحيل قد يكون إلى حوالي عشر دول من داخل الشرق الأوسط وخارجها، تأكيداً على رغبته في القضاء على العنصر الإنساني الفلسطيني الضاغط، وبما يتماشى مع التوجه الإسرائيلي بالحفاظ على إسرائيل الكبرى لليهود. 

وفي تطور إضافي، أوضح ترامب أن الولايات المتحدة ستتملك قطاع غزة.. بعد إفراغه من سكانه، وهو موقف غريب وخالٍ من أي أساس سياسي أو قانوني، لأن هذا يفترض أن تتسلم الولايات المتحدة – بشكل غير مشروع – الأرض من دولة الاحتلال الإسرائيلية، لتصبح أمريكا هي دولة الاحتلال، حيث لا توجد سلطة أو حكومة أو تيار سياسي فلسطيني.. متماشٍ مع الاقتراح، وموافق، أو قادر.. على تسليم الأرض لغير الفلسطينيين. 

وأوضح ترامب أن المشروع لن ينفذ بأموال أمريكية.. وإنما بتمويل عربي، ولن تستخدم فيها القوات العسكرية الأمريكية، رغم أنه من وحي الخيال أن يغادر سلمياً.. شعب فلسطيني كافح أكثر من سبعين عاماً تحت الاحتلال.. حماية لأرضه، أو أن العرب على استعداد لتمويل تصفية القضية الفلسطينية، ومواصلة الاحتلال.. تحت غطاء أمريكي. 

ورداً على سؤال حول ما يتردد عن تطور الموقف الأمريكي.. من الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية لنهر الأردن، أشار ترامب إلى أنه سيتخذ قراراً في هذا الشأن.. خلال الأسابيع القادمة، وهو مؤشر خطير آخر، على أن موقفه من التهجير الفلسطيني من القطاع.. ليس منفصلاً عن تحرك وخطة أوسع بشأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن هناك خطوات إضافية، تستدعي تهجيراً فلسطينياً.. حفاظاً على الهوية اليهودية لأرض إسرائيل الكبرى، والمستهدف هنا صراحة.. هو الأردن. 

منذ انتخابه، ومواقف الرئيس الأمريكي تجذب المجتمع الدولي.. حتى قبل توليه السلطة، إنما رد الفعل تجاه اقتراحه حول غزة تجاوز المخاوف حول مواقفه من بنما، جرينلاند، كندا، المكسيك.. وغيرها، وكانت ردود الفعل جميعاً – دون استثناء – عدا إسرائيل ضد مقترح التهجير، بما في ذلك حلفاء أمريكا في الغرب. 

اقتراح ترامب حول غزة يقضي على القضية الفلسطينية كاملة، ويتجاوز ساحة قطاع غزة، ويمس الأمن القومي للأردن ومصر مباشرة، بالإضافة إلى أمن ومصالح مختلف الدول العربية؛ حيث سيدخل الشرق الأوسط مجدداً في حلقة من الغضب والرفض، وسيخلق حساسيات جيوسياسية في علاقاتها الدولية. 

خطورة الاقتراح تفرض على الكل التحرك بشكل أقوى وأشمل وأعمق، وغير تقليدي.. عربياً وإقليمياً ودولياً. 

مطلوب من الفلسطينيين لم الشمل، والتحدث بصوت واحد.. بصرف النظر عن اختلافاتهم الأيديولوجية، لأن قضيتهم على مشارف اللاعودة، والموقف من الأهمية والخطورة.. بما يتجاوز كثيراً الخلافات الأيديولوجية، أو أي تنافس حول السلطة والمناصب، والمطلوب فوراً تشكيل حكومة فلسطينية مشتركة. 

وعربياً، مطلوب من الأردن ومصر الاستعداد لاتخاذ إجراءات سياسية وأمنية واقتصادية محددة.. إذا ما تمت محاولة تنفيذ الاقتراح، خاصة ومتوقع من ترامب ممارسة مزيد من الضغط عليهما في هذا الصدد. 

ومطلوب من دول الاتفاقات الإبراهيمية الاستعداد لاتخاذ مواقف.. معبرة عن  تأييدها للقضية الفلسطينية، وضرورة التمسك بها.  

يجب أن يكون هناك تحصين عربي – واسع وعملي – للفلسطينيين وللموقف المصري والأردني.. الرافض للتهجير، وذلك بإصدار بيانات وطنية عربية واضحة وقاطعة، مثلما صدر عن دول الجوار العربي مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، تؤكد على رفض المقترح الأمريكي.. شكلاً وموضوعاً.  

إن السعي للسلام العربي الإسرائيلي – الذي تأكد مراراً، وخاصة في قمة بيروت لعام 2002 – مرهون بحل القضية الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ويجب أن يكون الموقف واضحاً وقاطعاً.. أن العالم العربي رافض كل الرفض.. تصفية القضية الفلسطينية والموقف الأمريكي. 

وعلى العرب رفع مستوى التحرك السياسي، وتسريعه.. من خلال تحرك قممي عربي جماعي، وعقد قمة عربية فورية – حضورياً أو إلكترونياً – لإصدار بيان وموقف قاطع في هذا الموضوع . 

يجب أن نشهد تحركاً عربياً جماعياً.. لعدد من رؤساء الدول أعضاء اللجنة العربية السداسية.. المعنية بالقضية الفلسطينية؛ يشمل طلب مقابلة مع الرئيس الأمريكي.. لتوضيح الموقف العربي، ومخاطبة وحضور اجتماع لمجلس الأمن، وتقديم موقف يتمسك بمضمون قمة بيروت.. حول القضية الفلسطينية، وأن السلام الشامل.. مقابل الحفاظ على القضية الفلسطينية، واستبعاد فكرة التهجير. 

يجب أن يكلف وزراء خارجية المجموعة العربية السداسية.. بزيارات واتصالات سريعة لدى بقية الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والتواصل مع المجموعات الإقليمية المختلفة، مؤكدين على رفض المقترح الأمريكي، وبغرض الدفع بموقف قوي في مجلس الأمن – وخاصة من الدول دائمة العضوية – حتى إذا ووجه بفيتو أمريكي. وأسجل هنا، أن على الدول دائمة العضوية.. اتخاذ مواقف أكثر جدية، انطلاقا من واقع مسؤولياتها الأممية. 

كما أنه على المجموعة العربية – ذاتها – التحرك سريعاً دولياً، والتقدم بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.. لإثبات الرفض السياسي الدولي لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني، أو لتصفية القضية على حسابهم، والدعوة للتحرك سياسياً وقانونياً.. لتنفيذ هذه الاقتراحات وتثبيت عدم شرعيتها. 

وأتفق مع من يرون أن هذه الخطوات غير كافية، إنما آمل أن تساهم – وغيرها – في بتر المقترح الخطير، الذي يهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية كلية – وهو ما صرّح به وزراء بالحكومة الإسرائيلية – فالموقف يفرض علينا كعرب – وعلى المجتمع الدولي – وقفة جادة؛ حفاظاً على حقوق الفلسطينيين واستقرار الشرق الأوسط، لأن البديل جد خطير علينا جميعاً، بل على المجتمع الدولي بأكمله، لأن تجاوز القانون الدولي، وتغليب قانون القوة على قوة القانون.. سيمس الكل دون استثناء.   

نقلاً عن «الشروق» 

شارك هذه المقالة