Times of Egypt

التعددية القطبية بين العالمية والإقليمية «2ــ2

M.Adam
د. أحمد يوسف أحمد  

1 / 3»

د. أحمد يوسف أحمد

طرح المقال السابق فرضية.. مفادها أن التعددية القطبية قد أصبحت أمراً واقعاً على مستوى قمة النظام الدولي، وذلك بوصول كل من روسيا والصين إلى درجة من القوة الشاملة.. يجعل تجاهل مصالحهما الحيوية مستحيلاً، غير أن هذه الفرضية تذهب إلى أن التعددية.. غائبة على مستوى الأقاليم، التي ما زالت الولايات المتحدة تتمتع فيها بوضع القوة العظمى الأحادية، وتم الاستشهاد للتدليل على صحة هذه الفرضية.. بمجريات الأمور في إقليم الشرق الأوسط، فقد قدمت الولايات المتحدة الدعم المطلق الشامل لإسرائيل، بينما اقتصرت ردود فعل روسيا والصين على المستوى اللفظي، كما اضطلعت الولايات المتحدة بالدور القيادي في جهود التسوية، وصولاً إلى ما يشبه احتكارها.. بعد قرار مجلس الأمن الأخير. وقد انتهى المقال بأنه قد يُقال بأن القضية لا تمثل مصلحة حيوية لهما، غير أن الوضع يختلف تماماً بالنسبة لحالتَي إسقاط نظام الأسد والعدوان الإسرائيلي-الأمريكي على إيران.

أما حالة إسقاط نظام الأسد فتكتسب أهميتها من رمزية التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا – في 2015 – لدعم النظام في مواجهة تهديدات بقائه.. في مطلع العقد الثاني من هذا القرن، التي ارتبطت بتصاعد مؤشرات المعارضة السياسية، والأخطر الأنشطة العسكرية.. لقوى انشق بعضها عن الجيش السوري، وكان بعضها الآخر امتداداً لفصائل مسلحة مصنفة كتنظيمات إرهابية.. بدعم خارجي واضح. وقد استعان الأسد – بداية – في مواجهة هذه التهديدات بالنظام الإيراني.. كحليف إقليمي، فلما اتسع الخرق السوري على الراتق الإيراني، لم يكن ثمة مفر من طلب الدعم العسكري الروسي المباشر.. الذي استجاب له الرئيس الروسي.. اعتباراً من سبتمبر 2015؛ بما مثل خطوة نوعية بالغة الأهمية في استعادة روسيا مكانتها الدولية، التي تدهورت كثيراً بعد تفكك الاتحاد السوفيتي 1991، وولاية يلتسين.. التي فاقمت ذلك التدهور، حتى تولى بوتين الرئاسة في مطلع القرن الحالي، وبدأ عملية ناجحة لإعادة بناء القوة الروسية، ظهرت تجلياتها على الصعيد الإقليمي أولاً.. في أحداث جورجيا 2008، ثم أوكرانيا 2014، التي ردَّت عليها روسيا باستعادة شبه جزيرة القرم الروسية، التي أُلحقت بأوكرانيا في 1954.. إطار سياسة صهر القوميات المكونة للكيان السوفيتي في بوتقة واحدة.

2 / 3

وكان التدخل العسكري الروسي المباشر في 2015 لدعم نظام الأسد، هو أول مؤشر مهم على استعادة الحضور الفاعل لروسيا في الساحة الدولية، وفي واحد من أهم أقاليم العالم بالنسبة للقوى العظمى، وهو الشرق الأوسط ذو القيمة الاستراتيجية الكبيرة. وهكذا، فكما كان التدخل العسكري في سوريا 2015.. أول مؤشر مهم على استعادة روسيا حضورها الفاعل في الساحة الدولية، فإن سقوط نظام الأسد بدوره مؤشر مهم.. على خسارة روسيا لأحد أصولها الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

ولا يحاجج أحد بأن القاعدتين الروسيتين البحرية والجوية في سوريا.. ما زالتا باقيتين، وإن كانت وظيفتهما – بالتأكيد – لا يمكن أن تبقى كما كانت، خاصة أن محاولات تطبيع العلاقات بين نظام الشرع وروسيا – وإن نجحت – لا يمكن أن تطغى على المؤشرات الفجَّة لشهر العسل.. بين ترامب والشرع.

ويُلاحَظ أن روسيا لم تكن مطالبة بخوض مواجهات دولية للدفاع عن نظام الأسد، وإنما مجرد إبداء الحزم في دعمه.أما تحجج بعض المسؤولين الروس.. بأن النظام كان قد انهار من الداخل، فهو بحد ذاته دليل فشل، لأن كل خبرات التدخل العسكري الخارجي المباشر.. تشير إلى أن القوة المتدخلة لا بد وأن تمسك بزمام الأمور في الدولة.. لتأمين تدخلها.

وقد أُذيع تصريح للشرع – قبل يومين من كتابة هذا المقال – بأنه تلقَّى رسالة من الروس.. بعد سيطرته على حلب، بالاكتفاء بما أخذه، وأنه لم يأبه بهذه الرسالة.. وواصل تقدمه، والدلالة ليست بحاجة لتوضيح. ويمكنني فقط التذكير – في هذا السياق – بأن الاتحاد السوفيتي نجح في 1956، و1968.. في حماية النظامين الشيوعيين في المجر وتشيكوسلوفاكيا بوجه محاولتين لإسقاطهما، بينما فشل في حماية نظم أوروبا الشرقية في ثمانينيات القرن الماضي.. في سنوات جورباتشوف.ولا تقل الحالة الإيرانية أهمية عن مثيلتها السورية؛ فإيران ترتبط بكل من روسيا والصين.. بمعاهدات ذات طابع استراتيجي، وتعرَّضت غير مرَّة لتحرشات إسرائيلية عموماً – في إطار إسنادها للمقاومة في غزة خصوصاً – ثم وصل الأمر للعدوان العسكري عليها في يونيو 2025.. من إسرائيل أولاً، ثم أكمل ترامب المهمة.. بضرب مفاعل فوردو النووي المُحَصَّن، الذي لم يكن بمقدور إسرائيل أن تضربه، ولم يتجاوز رد الفعل الروسي والصيني المستوى اللفظي هنا أيضاً.

وأُذَكِّر هنا بالموقف السوفيتي من العدوان الثلاثي على مصر 1956، حين تضمَّن الإنذار الشهير لدول العدوان.. أن لندن وباريس ليستا بمنأى عن الصواريخ السوفيتية، وأن سلوك إسرائيل يعرض وجودها3 / 3ذاته للخطر؛ وهي المرة الوحيدة التي أقدم فيها الاتحاد السوفيتي على هذا التصريح.

وفي حرب أكتوبر 1973، ذكرت التقارير أن القيادة السوفيتية هدَّدت بالتدخل المباشر.. إذا لم تستجب إسرائيل لقرار وقف إطلاق النار، وقد استجابت بالفعل بعد ذلك، علماً بأن العلاقة السوفيتية مع السادات لم تكن على ما يرام.

والدلالة شديدة الوضوح، وهي أن تأثير التعددية القطبية ما زال محصوراً على المصالح المباشرة للقطبين الروسي والصيني، وهو ما يعني أننا في المواجهة مع إسرائيل.. مازلنا نتعامل أساساً مع نظام عالمي أحادي القطبية، ولذلك فإن أي حسابات لهذه المواجهة، يجب أن تُبنى على قدراتنا الذاتية من جانب. شريطة أن تهتم دوائر صنع القرار لدينا من جانب آخر، بإجراء الحوارات الداخلية.. لتحديد ما نحتاجه من مساندة من الأقطاب العالمية الجديدة كروسيا والصين، وما هي الصيغ المُثلى للحصول على هذه المساندة. وأقصد بها هنا.. في القضايا المحورية المتعلقة بالأمن، لأن الأبعاد الأخرى للعلاقات جيدة – بل ومتطورة بصفة عامة – ويبقى لروسيا والصين أن تقرِّرا مدى تأثير تواضع تأثيرهما الإقليمي.. على استدامة تموضعهما في القمة الدولية، وهذه قضية أخرى.

نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة