Times of Egypt

التدين الصوري والظاهري (2)

M.Adam
عادل نعمان  

عادل نعمان

أخطر ما يحمله التدين الظاهري أو الصوري، هذا التناقض والتعارض.. بين سلوك أصحابه وبين منهج الدين الصحيح، أو الذي يجب أن يكون عليه، فليس هذا التضارب الواضح بين كثرة المساجد والزوايا ودور تحفيظ القرآن وروادهم، وعدد الحجاج والمعتمرين. وهذا الكم الهائل من السلبيات والسلوكيات غير الأخلاقية، ومظاهر الفساد في المجتمع، إلا أن يكون دافعاً لسحب الثقة.. من أصحاب هذا التدين الشكلي إلى أصل الدين، حتى أضحى الحكم على هؤلاء وعلى الدين.. حكماً واحداً؛ فهم أدواته وحراسه والمسؤولون عنه، والناس معذورون فيما يصلون إليه، أليس الأمر كذلك؟ 

الأدهى من هذا هو نفور الناس من الاثنين معاً، وهو للأسف إضعاف لصورة الدين في نفوس أصحابه.

وليس اختزال التدين في إقامة الشعائر والطقوس الدينية، والإسراف فيها.. دون تدين حقيقي معتدل وصادق، ومن ثم ضياع الثقة وفقدان مصداقية المتدين، وعدم إدراك جوهر الدين ومقاصده النبيلة، ومن ثم الخلل في تطبيقه تطبيقاً أميناً.. مع الغريب قبل القريب، إلا بلاء لو تعلمون عظيم، وانهياراً لقيم المجتمع وسلوكياته، وليس اعتماد الغش نموذجاً مألوفاً ومحبباً ومقبولاً، إلا أحد النتائج الأكيدة!!.

فإذا وصل الغش إلى العبادات؛ فلا مانع من اعتماده غشاً جماعياً في المدارس، بل ويزكيه ويعتمده الآباء. فلم لا، وقد اعتمده أصحاب اللحى وسدنة الدين؟ وهي سقطة مجتمعية.. لا نعلم من أين يأتينا الفرج والخلاص منها.

ولأن التدين الحقيقي، يتسم صاحبه بالتواضع والخشوع، ولا يرى نفسه أعلى من غيره، بل يرى أنه خادم لغيره؛ عف اللسان، لين الجانب، دمث الخلق، متواضع، رقيق الطباع، حليم صبور، هكذا يجب أن يكون!! 

… فإذا رأيت في شخص غير هذا، فاعلم أنه عضو في الفريق القومي للتدين الشكلي، الذي يرى نفسه أعلى مقاماً من غيره، ويتسم بالغرور والاستعلاء والصلف؛ حتى قال أحدهم: «رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً». وليس هذا بغريب عن آراء بعض الفقهاء، وله تأصيل فقهي لديهم؛ فهذا الاستكبار يندرج تحت فتوى (الاستعلاء بالإيمان)؛ أليس هو في الجنة، وإن زنى وإن سرق، وغيره في النار وإن لم يسرق أو يزن!! أليس هو محفوظ ومعصوم الدم والمال والعرض، وغيره مباح!! أليس هو من الأخيار والأفاضل، ومن خير أمة أخرجت للناس.. دون جهد أو عمل!! وغيره الأحقر والأسوأ، مهما علا شأنه وعلمه في الدنيا، فلماذا لا يعلو على خلق الله جميعاً!!؟

وهذا ما عليه غالبية المحجبات مثلاً، حين ترى الفتاة المحجبة.. أن حجابها هو الزي الشرعي الإسلامي، وغيره زي كافر، ودليل العفة. وغيرها من «السافرات» بلا عفة أو عفاف!! 

ويرى المصلي نفسه.. غير خلق الله، وهو الأقرب، والواصل على باب الله قبل غيره. 

هذا الخلل يتعارض مع حق الإنسان، وهو دعوة للتمييز والعنصرية، وانقسام طبقي.. يفتت المجتمع، ويحرضه على التطاحن والتنافر والاقتتال.

وتعالَ معي إلى كارثة الكوارث – ولم ننتبه إليها إلا قريباً – وهي انسحاب هذا التدين الشكلي.. إلى كافة المعاملات بين الناس، وأن الحكم على كافة الأمور.. أصبح يزكيه ويؤكده الشكل وليس الجوهر، بل ويقدمه ويلغيه أحياناً؛ حتى أن اختياراتنا وقراراتنا سواء فردية أو جماعية – أو حتى الحكومة بجلالة قدرها، تعتمد المظهر والشكل.. أساس الاختيار والتزكية – وغدت ثقافة المظهر.. من لباس وزينة وتفاخر، وسيارات وفشخرة.. هي أساس الحكم على الناس؛ حتى شملت اختيارات القيادات في مواقع مهمة ومختلفة. وباتت الصدفة والعرض – أو قل بلغة الشباب (الترند) – أحد فضائل الاختيار ومقوماته والمؤشر الحساس، وكم من تزكية تمت لأفراد عاديين لمناصب عليا، وزيجات ليست متكافئة.. بين طرفين، وقرارات مصيرية.. كانت وبالاً على الناس، وأعمال بالمليارات تمت على نحو الصدفة.

ولأن الناس والمسؤولين – على السواء – اعتمدوا الاختيار الشكلي والمظهري.. دون دراسة، أو البحث عن مسوغات الخبرة والنزاهة للمسؤول، أو التقصي عن هوية وتاريخ الزوج، أو حتى من ستضع أموالك بين يديه.. يكون المقابل أن نعاني الأمرين، في اختيار مسؤول ليس مؤهلاً، وليس لديه تعليم مناسب، أو خبرة ميدانية كافية، أو زوج للبنت نصاب، أو مستريح ينهب أموال الناس بالباطل، وإياك أن تظن أن الناس الطيبة.. هم الضحايا فقط؛ بل إن الدولة العميقة ذاتها.. هي الضحية الرئيسية لهؤلاء، والأكثر نفعاً ومصلحة. ويطلع منها الجاني.. كالشعرة من العجين، أو يُستبقى في منصبه.. حتى لا يعاير الناس الحكومة على سوء اختياراتها، أو وقوعها في الفخ (لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك).

هل يمكن أن ينسحب التدين الشكلي إلى المجتمع كله؟ 

… نعم وبسهولة ويسر، فإذا رأى الشخص العادي مغانم ومكاسب.. لهذا التدين، فلا يمنعه مانع، أن يمارسه في نواحي الحياة المختلفة؛ في البيع والشراء، والزواج، وتقلد المناصب العليا؛ وهي أدوات نصب تؤتي ثمارها!! 

انتبهوا أيها السادة.. إلى كل أشكال الاحتيال، سواء تحت ستار التدين، أو الشهادات المضروبة!!.

(الدولة المدنية هي الحل)

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة