د. خالد قنديل
لا يمكن التكهن – في الوقت الراهن – بملامح واضحة.. لمستقبل المشهد المتأزم في المنطقة، وسط استمرار الضربات المتبادلة بين الكيان المحتل وإيران. الأوضح فقط، إمكانية رصد الخسائر لدى الجانبين، في ظل التصعيد المستمر وتبادل التصريحات الدالة على ذلك.. من وحي ما يأتي من جيش الاحتلال، بأن الطائرات تحلق فوق سماء إيران بحرية، ولن يسمح لطهران بصنع القنبلة النووية. والتباهي بقتل القادة الكبار، ومهاجمة منظومات الدفاع الجوي، والسيطرة على الأجواء الإيرانية، بينما نرى ردوداً واضحة ومُفعَّلة من جانب الحرس الثوري الإيراني؛ بالقصف المكثف والواسع النطاق.. على مناطق متفرقة في العمق الإسرائيلي، وتحذير المدنيين بالإخلاء، وتقديم مفاجأة جديدة كل ليلة.. في خضم الصراع. ولم تتوان القنوات العبرية في رصد الهجوم الإيراني المتواصل، الذي بلغ نحو سبع عشرة موجة هجومية.. بنحو 400 صاروخ باليستي منذ بداية الحرب، خلّفت نحو 25 قتيلاً، وأكثر من 300 مصاب.
أمام هذا التكتيك المتقدم من جانب إيران؛ بإطلاق الصواريخ القديمة كتمويه، وإتباعها بصواريخ باليستية وفرط صوتية.. باتجاه أهداف دقيقة، مما يعكس تطوراً كبيراً في القدرات على مستوى التصنيع الصاروخي، وكذلك في أساليب الحرب.. مع العمل على تقليص مساحة الاختراق الواسعة في البلاد، التي ظهر تأثيرها بوضوح، ليخرج الرئيس الأمريكي بتصريحات متباينة ومتضاربة.. تشير إلى التدخل المباشر لدعم الحليفة المدللة، ولو بحرب كلامية.. تزعمها – مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس – وصرح ترامب بمطالبة طهران باستسلام غير مشروط، وإمكانية ضربه المنشآت النووية الإيرانية، ومطالبة سكان طهران بمغادرتها، ومعرفة أمريكا بمكان المرشد.. وأنها لا تريد قتله – على الأقل في الوقت الراهن – مع تحريك حاملات الطائرات نحو الشرق. فما كان من المرشد سوى الرد بأن.. أي هجوم أمريكي، سيواجه عواقب وخيمة. وتأكيد الحرس الثوري باستمرار استهداف الكيان.. حتى زواله.
وسط هذا التصعيد والتوتر، ذهبت التكهنات إلى إمكانية وقوع السيناريو الأخطر – في حال التدخل الغربي المباشر في الدفاع عن الكيان، والهجوم على إيران.. بذريعة تقليص القدرات النووية، أو منعها تماماً – الذي يبدأ بلجوء طهران إلى ضرب القواعد الأمريكية، وتفخيخ مضيق هرمز ومنع الملاحة الدولية فيه – وهذا السيناريو.. ليس إلا بداية لما هو أخطر وقائم، خصوصاً في ظل توارد أنباء عن تفويض خامنئي جزءاً كبيراً من صلاحياته.. للمجلس الأعلى للحرس الثوري؛ بما يعني إرجاء الحسابات السياسية.. لصالح المواجهة نحو أبعد مدى. ويكون هناك إقدام إيراني على استخدام القنابل النووية. وقد أشارت تقديرات مراكز الدراسات الدولية، إلى امتلاك طهران ما لا يقل عن خمس عشرة قنبلة نووية، تحتوي كل منها على نحو 25 كيلوجراماً من اليورانيوم.. المخصب بنسبة 90%، غير أن هذا الخيار قد يكون مستبعداً – في المدى المتوسط على الأقل – لحين الوقوف على طبيعة التدخل الغربي لدعم الكيان المحتل، الذي لا يرمي إلى تهديد الوجود الإيراني، بل إلى القضاء على أي قدرات نووية لإيران. غير أن هذا الخيار أيضاً تضعه طهران بمثابة إثبات الوجود، وجزء أصيل من المقدرات.
إن الهدف الحقيقي للضغوط الغربية – ممثلة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسرائيل، وعدد من دول الناتو – ليس منع إيران من الاستخدام النووي، بل تجريدها من هذا الخيار من الأساس. ذلك أن وجود كيان مثل إسرائيل.. في قلب المشرق العربي، لا يمكن أن يستقر.. إلا إذا احتفظ بتفوق نوعي مطلق في أدوات الردع؛ فوجوده لا يمثل مجرد دولة، بل هو – في التصور الغربي – «التعبير المادي عن مركزية الحضارة الغربية في منطقتنا»، و«قدس أقداسها».. السياسية والأيديولوجية.
من هنا، تدور المعركة.. لا على «السلاح» ذاته، بل على ما يمثله هذا السلاح: السيادة، والندية، وإمكانية إعادة تشكيل التوازنات.. خارج قبضة المركز الغربي.
نقلاً عن «الأهرام»