Times of Egypt

التحريم والإباحة بين المنفعة والضر

M.Adam
عادل نعمان  

عادل نعمان…

في مدينة جدة، ألقت الشرطة القبض على مقيم باكستاني يُدعى «خورشيد»، يقوم ببيع بوله.. على أنه «بول بعير». وزعم الدجالون والمدعون أن «بول البعير».. يحتوي على مضادات حيوية للقضاء على البكتيريا والفطريات، ومقاوم للسموم. فأصاب بول أخينا خورشيد كل من تناوله بالبكتيريا والفطريات والسموم، وهان الناس عليهم فبال خورشيد وبال غيره!! … وفي شمال باكستان – تحديداً منطقة الحكم الذاتي لطالبان – حرَّموا تناول مصل شلل الأطفال، لاستخدام مشتقات الخنزير في صناعته.. تحت دعاوى أن لحم الخنزير حرام، وانتشر وزاد مرض الشلل عند الأطفال.. عن أي مكان في العالم. وما عرفوا الفارق بين أكل اللحوم ومشتقات الدم!! ولا عزاء لبول البعير المدمر لصحة الإنسان.. الذي حللناه وأجزناه، حتى لو كان بول الأخ «خورشيد». والعوض على الله في صحة الأطفال.. حين حرَّمت طالبان مصل شلل الأطفال، للوقاية من المرض اللعين.

فلا شفى بول البعير أحداً، ولا نجا من الشلل.. من سلم نفسه لفتاوى الدجالين.ولست أرى في هذا الخلل إلا عجباً، حين تكون مصائر الناس وصحتها ومستقبلها.. رهناً لأكاذيب تاريخيّة، وترويجاً لعلم.. لم يكن يوماً من حق العامة أو الخاصة أو الرسل؛ فليس الطب والتطبيب مهنة تقف عن الدوران.. دون تحديث أو تطوير. فما كان قائماً من أمور الطب في الجاهلية، ظل بعد الإسلام متاحاً ومعتمداً، فكان أبو لهب الكافر يتداوى بالحجامة والأعشاب، كما الصحابة المؤمنون أيضاً.

وكان يُشفى منهم من يُشفى، ويهلك منهم من يهلك.. من الطرفين، دون تمييز أو تفضيل. وما كان يوماً ثابتاً وراسخاً عند الناس، يصبح يوماً آخر زائلاً وباطلاً. وما كان يوماً وهماً وخرافة، زال واندثر.

2 / 3

ومع مسلسل الربح الحلال، فإن الأرباح كالسيل.. تنهال على أصحابها؛ ومنها الذبح على الطريقة الإسلامية. ولا يكلف الأمر سوى ذكر اسم الله عند الذبح، وتحريم (ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)، وهو الذبح لغير الله من الأصنام، وكان يُذكر اسم الصنم على الذبيحة بصوت عالٍ.. قُربةً أو شفاعة.

ومن النوادر في هذا الشأن، فقد كنت قريباً لشركة في ولاية تكساس.. لذبح اللحوم الحلال في تسعينيات القرن الماضي، وقد كُلِّفَ لهذا العمل مسلمٌ من باكستان، وكان عمله قاصراً على أن يذكر اسم الله مع استقبال القبلة.. حين يقوم الجزار بنحر الذبائح.. واحدة وراء الأخرى، حتى يكون الذبح حلالاً على الطريقة الإسلامية. ثم تفتق ذهنه – حين يريد الراحة أو الذهاب للغداء أو الزوغان – إلى وضع جهاز تسجيل في صالة الذبح، يجهر باسم الله حين اختفائه، وكان صاحبنا يوصي رفاقه من الأمريكان.. بالاهتمام بتشغيل التسجيل أثناء غيابه.

وقد ظنوا أنها أغنية أو تعويذة.. فكانوا لا يهتمون بهذا الشأن طوال الوقت، وصاحبنا مطمئن كل الاطمئنان.. أن الذبح يتم بالطريقة الإسلامية، ولم يكن الأمر كذلك في أغلبه!والشيء بالشيء يُذكر، كان مسؤول البيع – في محل يتبع المركز الإسلامي في مدينة (إيست لانسنج) – فلسطيني الجنسية، يبيع اللحم الحلال.. بزيادة دولار ونصف في الباوند عن اللحوم العادية، وهي نسبة كبيرة في التسعينيات. واكتشفنا أنها لحوم مذبوحة لليهود في مدينة ديترويت (كوشر).

وإن كانت الذبيحة على الطريقة اليهودية (الكوشر).. حلالاً للمسلمين، إلا أننا اكتشفنا أن اليهود غالباً يشترون من الذبيحة النصف الأمامي، والخلفي يباع بنصف الثمن لغيرهم. وكان صاحبنا يشتريه رخيصاً، ويبيعه حلالاً للمسلمين في المركز الإسلامي.. بأضعاف، ونحن سعداء باللحم الحلال!! ولنوضح الأمر (يجب إزالة الدهون المحظورة، والأوتار والأوعية الدموية، والعصب الوركي؛ وهو أمر أكثر صعوبة في النصف الخلفي، ومتاح هذا في النصف الأمامي، ولذلك فإن غالبية اليهود يحرصون على شراء النصف الأمامي من الذبيحة.. دون الخلفي).

وقد كان لتحريم الربا «وأحل الله البيع وحرم الربا».. شأن آخر عند هؤلاء في الثمانينيات، فحرَّموا التعامل مع البنوك، والاقتراض منها بكافة أشكاله.. مهما كان فيه من احتياطات وضمانات، وتأمين للحفاظ على أموال المودعين. وشجعوا شركات توظيف الأموال.. على القيام بدور البنوك.. تحت مسمى التوظيف الإسلامي الحلال، حتى قال أحد مشايخهم إن «دخول البنوك دون معاملات حرام شرعاً»، وكانوا شركاء في النصب على الغلابة.. حين تصدَّروا المشهد الإعلامي.. تحت دعاوى «مستشار ديني» لهذه الشركات العائلية، وضاعت أموال المودعين.. تحت مظلة النصب باسم الدين، وكشوف البركة، والقرض الحسن، ورواتب وعمولات رجال الدين.. التي لم ينقص منها مليم واحد.. رغم خسائر الناس.

3 / 3

ومات من المودعين من مات هماً وكمداً، ومن خربت بيوتهم، وقد كانت عامرة بالربح البسيط، ومن فقد منهم عقله وجُنَّ.وقلنا مراراً.. إن الربا الحرام هو ربا (الديون وربا البيوع، وينقسم إلى «ربا الفضل وربا النسيئة»)؛ وهي أشكال من المعاملات.. لم تعد موجودة في معاملات البنوك، بل إن المعاملات البنكية – كما قال أحد مشايخنا «أن الفقراء هم الذين يقرضون الأغنياء وليس العكس».. على اعتبار أن قروض المشروعات الكبيرة – التي يملكها الأغنياء – تعتمد على إيداعات البسطاء، وهم يتحصلون منها على عائد.. يعينهم على تكاليف المعيشة دون إكراه.وما زلنا أسرى التفاسير.. التي تجلب الرزق لمن يحبون، والضرر لمن يكرهون، إلا القانون.. فهو رفيق المصلحة وخصيم الأذى.(الدولة المدنية هي الحل).

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة