في مشهد عربي يعكس وحدة الصف وتكاتف المواقف، اختتم قادة الدول العربية أعمال القمة العربية الطارئة التي انعقدت في القاهرة، اليوم الثلاثاء 4 مارس 2025، الموافق 4 رمضان 1446، بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبالتنسيق مع العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، رئيس الدورة العادية الثالثة والثلاثين للقمة العربية، وبناءً على طلب دولة فلسطين.
وجاءت القمة في توقيت بالغ الحساسية، على خلفية التطورات الخطيرة التي شهدتها الساحة الفلسطينية في الأشهر الأخيرة، وما تبعها من تحديات تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا يضع النقاط فوق الحروف، ويعيد التأكيد على الثوابت العربية تجاه القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية.
استهل القادة العرب اجتماعهم الطارئ بتوجيه تحية إجلال وتقدير للشعب الفلسطيني، الذي ضرب أروع الأمثلة في الصمود والتشبث بالأرض، خاصة بعد عودة سكان شمال قطاع غزة إلى ديارهم في أعقاب الإعلان عن بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. كما تعهد القادة بالالتزام الكامل بتنفيذ جميع القرارات السابقة الصادرة عن القمم العربية بشأن القضية الفلسطينية.
السلام العادل خيار استراتيجي
أكد البيان الختامي أن السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي للعرب، بما يضمن تحقيق كافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل ترابه الوطني على أساس حل الدولتين، مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتحقيق الأمن لجميع شعوب ودول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.
وشدد البيان على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002، باعتبارها الإطار الأمثل لحل النزاعات في المنطقة، وإقامة علاقات تعاون قائمة على الاحترام المتبادل بين جميع دولها، مع الرفض القاطع لجميع أشكال العنف والتطرف والإرهاب.
قررت القمة تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بهدف إعادة إحياء مفاوضات السلام واستئناف المسار السياسي استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية، بما يفضي إلى إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. كما دعا القادة إلى عقد مؤتمر دولي شامل لإقامة الدولة الفلسطينية.
رفض قاطع للتهجير.. وتجريم التغيير الديمغرافي
جددت القمة العربية الطارئة الرفض المطلق لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني، سواء داخل أرضه أو خارجها، تحت أي ظرف أو ذريعة، واعتبرت ذلك جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
كما أدان البيان سياسات التجويع والأرض المحروقة التي تستهدف إجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، مؤكدًا ضرورة التزام إسرائيل – باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال – بكافة القرارات الدولية التي تحظر تغيير التركيبة السكانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أعرب القادة العرب عن إدانتهم الشديدة لقرار الحكومة الإسرائيلية الأخير بوقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وإغلاق المعابر، واعتبروا هذه الممارسات انتهاكًا صارخًا لاتفاق وقف إطلاق النار وللقوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة.
وأكد البيان الختامي رفض استخدام سياسة الحصار والتجويع كسلاح سياسي، محذرين من تداعيات استمرار هذه الممارسات غير الإنسانية.
تحذير من تفجير المنطقة بسبب مخططات التهجير والضم
حذرت القمة العربية من أن أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو ضم أراضٍ فلسطينية جديدة لن تقود إلا إلى انفجار الأوضاع في المنطقة بأكملها، وتهديد أسس الاستقرار الإقليمي والدولي.
وأكد القادة على المسؤولية الخاصة التي تتحملها كل من الأردن ومصر في التصدي لمحاولات تهجير الفلسطينيين والدفاع عن القضية الفلسطينية، بما يعكس التزامًا عربيًا ثابتًا تجاه حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية.
أعلنت القمة تبني خطة شاملة للتعافي وإعادة إعمار قطاع غزة، قدمتها جمهورية مصر العربية بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين، واستنادًا إلى دراسات البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة.
وأكد القادة التزام الدول العربية بتقديم كافة أشكال الدعم المالي والمادي والسياسي لتنفيذ الخطة، مع دعوة المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل لتوفير التمويل اللازم، بالتوازي مع مسار سياسي يفضي إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.
أولوية استكمال وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل
شدد البيان الختامي على أولوية استكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكل مراحله، مع التأكيد على ضرورة التزام إسرائيل الكامل بتعهداتها، بما يشمل الانسحاب الكامل من قطاع غزة، وخاصة محور “فيلادلفي”، وضمان النفاذ الآمن والفوري للمساعدات الإنسانية في كافة أنحاء القطاع، وعودة السكان إلى مناطقهم.
كما أثنت القمة على الجهود الأمريكية، بالتعاون مع مصر وقطر، في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، داعية إلى البناء على هذه الجهود لوضع خطة تنفيذية متكاملة لمبادرة السلام العربية.
رحب القادة العرب بعقد مؤتمر دولي في القاهرة لإعادة إعمار غزة، بالتعاون مع فلسطين والأمم المتحدة، مع دعوة الدول المانحة للمشاركة بفاعلية في هذا المؤتمر، وإنشاء صندوق ائتماني دولي يتولى إدارة أموال إعادة الإعمار، لضمان تنفيذ المشروعات التنموية بما يعيد الحياة الطبيعية إلى القطاع.
تحركات دبلوماسية عربية مكثفة
كلفت القمة اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة بإجراء زيارات واتصالات مع العواصم الدولية لشرح الخطة العربية لإعادة الإعمار، والتأكيد على حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والبقاء في أرضهم.
كما وجهت القمة وزراء الخارجية العرب والأمين العام للجامعة العربية للتحرك العاجل في الأمم المتحدة ومع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالتنسيق مع الجزائر والصومال – العضوين العربيين غير الدائمين – لحشد الضغوط الدولية لإلزام إسرائيل بالانسحاب من كافة الأراضي المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان.
أعلنت القمة دعمها لتشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، وتضم كفاءات من أبناء القطاع، كخطوة انتقالية تمهد لعودة السلطة الوطنية.
كما ثمنت القمة طرح الأردن ومصر لتأهيل وتدريب كوادر الشرطة الفلسطينية، بما يضمن قيامها بمهامها الأمنية، في إطار مبدأ السلاح الشرعي الواحد، تحت إدارة المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها.
وفي خطوة غير مسبوقة، دعت القمة مجلس الأمن الدولي إلى نشر قوات دولية لحفظ السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى حين تنفيذ حل الدولتين، بما يضمن حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه، ويمنع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية.
اختتم القادة العرب قمتهم الطارئة برسالة واضحة للعالم: لا سلام في المنطقة دون حقوق فلسطينية كاملة، ولا استقرار دون دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ولا تنازل عن حق العودة أو رفض التهجير أو التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية.