عبدالله عبدالسلام
إنها في اعتقادي أهم ثورة سلمية في التاريخ البشري. العالم يشهد تغييراً حقيقياً ليس على القمة.. بل أيضا في العمق. هناك انخفاض مذهل في إنجاب الذكور، لصالح تحوُّل متواصل لإنجاب الإناث.
على مدى التاريخ، فضَّل البشر الذكور. ارتكبوا جرائم.. أخطرها وأد البنات. ميَّزوا بينهن وبين الأولاد في المعاملة والتعليم والتوريث. حتى الآن، لا يزال هناك من يعتقد أن إنجاب الذكور عزوة، وضرورة اجتماعية. في عام 2010، كان غلاف مجلة «الإيكونوميست»: «الإجهاض الجماعي للبنات إبادة جنسية». والخبر السعيد، أن تفضيل الذكور في مناطق كثيرة من العالم.. يتلاشى سريعاً وبشكل مذهل.
النسبة الطبيعية، كما يقول العلماء، هي 105 أولاد مقابل 100 بنت. هذه النسبة كانت مختلة للغاية في آسيا تحديداً. أدت العادات الاجتماعية المتوارثة، وسياسات طفل واحد لكل أسرة – التي طبقتها دول عديدة.. خاصةً الصين – إلى أن يكون هناك 117.8 ذكر صيني.. مقابل كل 100 أنثى عام 2006. لكن العام الماضي، النسبة أصبحت 109.6 ذكر فقط.
في الهند، انخفضت من 109.6 عام 2010 إلى 106.8. في كوريا الجنوبية، النسبة عادت لطبيعتها بعد أن كانت 115.7 عام 1990. كان اختراع آلات الموجات فوق الصوتية – التي تكتشف نوع الجنين في أواخر الثمانينيات، وبالاً على الإناث. ملايين عمليات الإجهاض للتخلص من الجنين الأنثى انتشرت في العالم. عام 2000، بلغ النقص في عدد الإناث 1.6 مليون فتاة. الآن انخفض هذا الرقم إلى 200 ألف فقط.
لماذا حدثت هذه الثورة «المباركة»؟
كان هناك اعتقاد في الماضي، ولا يزال سارياً في بعض المناطق، أن الرجال أكثر أهمية من النساء، وأن الابنة عندما تتزوج.. ستخدم عائلة زوجها، لذا يحتاج الآباء إلى ابن يرعاهم في شيخوختهم.
نشأ عن تفضيل الذكور، ما يمكن تسميته «فائض الرجال». ملايين الشباب الذين يُطلق عليهم في الصين «الأفرع العارية»، لا يجدون إناثاً للزواج منهن. دراسات عديدة رصدت زيادة حالات الاغتصاب، وتفاقم القلاقل الاجتماعية. عانى بعض البشر من عواقب تفضيلهم للذكور، وحصدوا الكوارث، فبدأوا يعيدون النظر في تفكيرهم وعاداتهم.
أدركوا أن إنجاب الإناث ليس سيئاً.. كما كانوا يعتقدون. في الوقت نفسه، أدى السلوك الجيد، والتفوق الواضح في التعليم للفتيات.. إلى تفضيل بعض الشعوب لهن على الأولاد. في اليابان يميل الأزواج الراغبون في إنجاب طفل واحد.. أنثى. في الغرب، تفضل النساء – بشكل متزايد – إنجاب الإناث. يعتقد البعض أن تربيتهن أسهل. أثبتت التجارب أن من يعتني بالآباء المسنين، هن البنات وليس البنين. أما عن إنجاز البنات.. فحدث وافتخر. 54% منهن يحملن شهادات جامعية في البلدان المتقدمة، مقابل 41% للبنين فقط. حوادث وجرائم الذكور أكثر. عالمياً، 93% من السجناء رجال.
العالم يتغير من حولنا، وبالتأكيد نحن جزء منه. لكن المشاكل – بل أحياناً الجرائم – التي تقع في بعض الأسر المصرية، المتمثلة في حرمان البنات من الميراث، أو عدم منحهن حقوقهن الشرعية، والتمييز بينهن في المعاملة، آن لها أن تتلاشى.
يوماً بعد آخر، يتأكد البشر أن البنات لسن فقط – كما يقول صلاح جاهين – ألطف الكائنات، بل: «البنت زي الولد، ماهيش كمالة عدد».
نقلاً عن «المصري اليوم»