Times of Egypt

الانقسام العربي لن يفيد إلا إسرائيل

M.Adam
زياد بهاء الدين 

زياد بهاء الدين

انتشرت في الأسابيع الماضية سلسلة من الاتهامات في الشارع العربي، ومن خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.. لمختلف الدول والشعوب العربية؛ بسبب ما اعتبره المنتقدون تخاذلاً تجاه المأساة الإنسانية في غزة. ومع أن الانتقاد الأكبر كان موجهاً لمصر ثم الأردن؛ باعتبارهما دولتي الحدود مع إسرائيل، إلا أن الأمر لم يسلم من اتهامات جانبية.. لغيرهما من الدول والحكومات العربية.

 لست هنا بصدد الدفاع عن بلد أو آخر.. بما في ذلك بلدي مصر؛ فما قدمته مصر وقدمه شعبها – عبر العقود الماضية – في مواجهة إسرائيل، ونصرة القضية الفلسطينية، ومساندة الحقوق العربية.. من المحيط إلى الخليج، أكبر من أن تتسع له مقالات صحفية، وأعمق من أن تعبر عنه كلمات وتعبيرات قليلة. ومن يعرف البلد اليوم وأهله، ويتجول في المدن والمراكز والقرى، ويتكلم مع الناس ويشعر بهم.. لن يساوره الشك في أن الشعب المصري – مهما اختلف على سياسات ومواقف وتقديرات – فإن انحيازه للشعب الفلسطيني – المعرض للإبادة – انحياز مطلق، وإيمانه بالحق الفلسطيني ليس محل نظر، وتألمه من مشاهد القصف والقتل والتجويع بالغ العمق.

 دعوني.. بدلاً من البحث عمن يستحق اللوم بيننا، أطرح سؤالاً مختلفاً: من تعتقدون سيكون المستفيد الأكبر من الانقسام في الشارع العربي.. حول مواقف الدول والشعوب من العدوان الوحشي على غزة؟ ومن يهمه أن ينشغل الكتاب والسياسيون بتوجيه أصابع الاتهام نحو أطراف عربية، والبحث عن «الأعداء المستترين في الداخل» بدلاً من توجيهها نحو العدو الخارجي الواضح.. الذي يمارس الحصار والتجويع، ويفاخر بنجاحه في منع وصول المساعدات؟ ومن يسعد بأن يتحول الانتباه من حرب الإبادة الجارية ضد الشعب الفلسطيني إلى معارك جانبية لتصفية الحسابات بين فرق سياسية واتجاهات فكرية، بين قومي وليبرالي ويساري، بين إسلامي وعلماني، بين المشرق والمغرب، وبين دول الحدود مع فلسطين والدول الأبعد؟ 

الإجابة واضحة في ذهني وضوح الشمس: إن المستفيد هو إسرائيل ومن يساندها وكل من يحرص على تشتيت الجهود المساندة للفلسطينيين واستدراج الرأي العام العربي.. للتناحر المعتاد، وجذب أنظار العالم بعيداً عما يجري على أرض غزة. 

هذه كلها معارك جانبية، واستدعاء لعداءات وهمية، وكلها ينبغي أن تتوارى، بينما أهل غزة والشعب الفلسطيني يتعرضون للمحنة الحالية.

 دعونا إذاً من كشف حساب من فعل ومن لم يفعل، ومن قدم ومن لم يقدم، ومن ضحى ومن لم يضح.. فالتضحية الآن من الشعب الفلسطيني وحده، والثمن الفادح هو الذي يدفعه، والقتل والإبادة واقعان عليه دون غيره. والحكومة الإسرائيلية ربما تكون قد أقدمت على هذه الحرب.. كرد فعل لعملية «طوفان الأقصى» من عامين، ولكنها سرعان ما وجدت الفرصة سانحة للسعي وراء «الحل النهائي» للقضية الفلسطينية؛ الذي يتلخص في القتل أو التهجير. وقد أقدمت على ما لم تقدم عليه حكومات إسرائيلية سابقة.. لإدراكها أن الظرف الإقليمي.. يسمح بذلك، بينما الوطن العربي.. منقسم، ومن ليس مشغولاً بحرب أهلية أو بصراع ديني أو قبلي.. مشغول بتحديات اقتصادية وحياتية، وأن الشعوب.. منهكة ومحبطة، وحرياتها في التعبير السياسي والتضامن مع الفلسطينيين.. مقيدة، واستعدادها لاستدعاء خلافاتها وانقساماتها الداخلية.. حاضر ولا يحتاج لبعض التشجيع.

 دعونا إذاً نتحاسب ونتبادل الاتهامات واللوم فيما بعد، للحكومات العربية بما فيها الفلسطينية، ولحركة حماس، ولكل الأطراف، ولكن ليس الآن.. بينما التجويع والقتل مستمران، بل علينا مساندة الطرف الوحيد، المستحق للحماية.. بأي طريقة ممكنة وبأي وسيلة متاحة، وإن لم يكن الكثير متاحاً.. فعلى الأقل، بتجنب الانقسام العربي.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة