Times of Egypt

الاقتصاد المصري.. من التبعية إلى الاستقلال 

M.Adam

عمر إسماعيل  

حين أراد مهاتير محمد.. أن يُطلق ماليزيا من قيود التبعية إلى حرية الاستقلال، لم يكن يملك نفط الخليج، ولا مناجم أفريقيا. بل كانت لديه فكرة… كانت لديه رؤية واضحة هي أن «السيادة تبدأ من التعليم، وأن الكرامة تُبنى على إنتاج ما نأكله وما نلبسه و حتي ما نركبه  او  ما ندافع به عن انفسنا». 

ولذلك، لم تكن معركته مع الفقر فقط، بل مع التخلف الذهني والإداري.. الذي يظن أن التنمية تأتي عبر إعانات الخارج، لا عقول الداخل. 

اليوم – وفي خضم ما يحاك لمصر في الداخل  و الخارج، ومع المتقلبات التي تزداد سرعة ايقاعها، والتحديات الاقتصادية المتوالية – تجد  مصر نفسها في مفترق الطرق… 

فقد وصلت مصر اليوم إلى نقطة.. تتطلب قرارًا تاريخيًا.. شبيهًا بما فعله مهاتير. لكن على النقيض من ماليزيا.. التي انطلقت من اقتصاد زراعي متواضع، فإن مصر – رغم ثقلها السكاني والجغرافي – باتت في دائرة ضيقة.. لا تتسع؛ بين أعباء ديون متراكمة، وعُملةٍ فقدت أكثر من نصف قيمتها، واقتصاد أنهكته التبعية التمويلية، والتخطيط قصير الأجل. 

ولعل المفارقة الكبرى.. أن مصر – رغم هذه التحديات – لا تزال تملك ما لا تملكه كثير من الدول: الموقع، السوق، والعبقرية الكامنة.. في شعب يعرف كيف يتحمل. لكنه لا يريد أن يظل صابرًا إلى الأبد. 

فلماذا يجب أن تسلك مصر طريق مهاتيرالان؟ 

هذا.. لأن النموذج الغربي – القائم على القروض المشروطة، والإصلاحات الشكلية – لم يقدّم لمصر سوى ديون تتناسل و تتكاثر، و لأن الاعتماد على الدعم السياسي.. مقابل الولاء الإقليمي، يجعل من القرار الوطني رهينة صفقة لا تُكتب، لكنها تُفهم من الإيماءات. إن مصر ليست بحاجة إلى «منح طارئة»، بل إلى مشروع وطني، يعيد ترتيب الأولويات: تعليم، تصنيع، اكتفاء ذاتي، وتمكين الشباب. 

مهاتير لم يطلب من أحد أن يعينه؛ بل فرض احترامه عبر الإنتاج. دخل في صدام مع صندوق النقد الدولي، و من ثم بنى بدائل داخلية، أسّس شراكات مع اليابان، ورفع شعاره الشهير: «تعلّموا من الشرق لا من الغرب، فإنهم يحترمون العمل ولا يحتقرون اليد التي تبني». 

 من هنا تبدأ المعضلة الكبرى و السؤال الأكبر..  

لماذا لا تأتي المساعدات العربية لمصر.. كما ينبغي؟  ولماذا هذا الصمت العربي؟  ولماذا أصبحت العواصم النفطية الكبرى.. تتردد و تنخوف من شبح الضغط الأمريكي؟ وتنتظر الضوء الأخضر من عواصم أخرى، قبل أن تمد يد العون الحقيقية؟ 

الجواب، ببساطة، أن المال العربي لم يعد مستقلاً.. كما كان، وكما يجب. 

فهناك مخاوف موروثة – وربما لها مبرراتها – من أن تُفسر أي مساعدة كبيرة لمصر.. باعتبارها «انحيازًا إقليميًا قد يغضب واشنطن»، أو «بداية لمشروع.. قد يعيد مصر إلى مسار استقلالي، لا ترضى به تل أبيب». 

إن بعض الدول العربية الغنية.. تحسب ألف حساب لصانع القرار الأمريكي و توجيهاته – أو الأصح، صانع القرار في الكونجرس والبنتاجون واللوبي  الصهيوني – الذي يعتبر مصر دولة.. «يجب أن تبقى تحت السيطرة»، وهو المبدأ غير المعلن.. منذ اتفاقيات كامب ديفيد. 

كما أن تل أبيب – التي تتابع المشهد بدقة – لا تنزعج من اقتصاد مصري يتنفس، لكنها تنزعج  من فكرة مصر قوية.. تطمح  لقيادة تحالف إقليمي، قد يعيد التوازن العربي من جديد. 

ما العمل إذًا؟ 

فمن الضروري لمصر.. الا تنتظر من أحد أن يمنحها الحياة، او أن يُفسح لها المجال.. لتبني حياتها. 

يجب أن يتحرك القرار الوطني.. نحو بناء «نموذج مهاتير المصري»؛ لا نسخة مستنسخة، بل بروح مشابهة: تنمية مستقلة، تعليم شامل كامل، شراكات متوازنة، وشجاعة سياسية.. تقلب الطاولة على الوصفات الغربية المعلّبة. 

حينها فقط، ستُجبر حتى المترددين.. على احترام المسار، لا التبرع له. 

خاتمة:  

إن الدولة التي تنتظر خلاصها من الخارج، إنما تحكم على نفسها بالبقاء في الهامش. وحدها الدول التي تُفكر بعقولها، وتُخاطر بحساب، وتصنع نموذجها، هي التي تدخل التاريخ من اوسع ابوابه . 

* قيادي في حزب العمال البريطاني.  

شارك هذه المقالة