Times of Egypt

الإنسان والطغيان

M.Adam
محمد أبو الغار 

محمد أبوالغار

هل الإنسان من طباعه الأساسية.. القسوة والظلم، والاعتداء على الآخر.. لتحقيق مكاسب شخصية؟ 

وهل العدل والشفقة.. هما حالات فردية، لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً من تاريخ البشرية؟ 

دعنا ننسى الفرد، ونتحدث عن مجتمع كبير وشعب بأكمله. ودعنا نتناس التاريخ القديم، ونفكر فقط في التاريخ الحديث بعد الثورة الفرنسية. ففي عصر التنوير، كان شعار الثورة هو الحرية والمساواة والإخاء، حيث سعت لإقامة مجتمع.. يقوم على الحرية الفردية، والمساواة في الحقوق بين جميع الأفراد. وظهرت مبادئ حقوق الإنسان – ومن ضمنها حقوق الطبقة العاملة – وظهرت الأفكار الرومانسية.. التي تركز على المشاعر الإنسانية لكل فرد.. كوسيلة لتحقيق السلام الداخلي، والتعاطف مع الطبيعة والإنسان. 

ثم ظهرت الأفكار الليبرالية.. التي تؤمن بالحقوق الفردية، والحكم الدستوري، والإصلاح الاجتماعي. ومعها ظهرت أفكار العدالة الاجتماعية.. حتى يصبح المجتمع أكثر استقراراً وسلاماً. وأكدت مبادئ الثورة الفرنسية فصل الدين عن السياسة.

مبادئ الثورة الفرنسية العظيمة.. كان من المفروض أن تؤدي إلى سلام وعدالة للشعب الفرنسي. ولأن المبادئ انتشرت في العالم كله، فكنا نتوقع سلاماً يعم العالم، وتتوقف المذابح والحروب.. التي عرفها العالم منذ أن عرفنا التاريخ الموثق؛ منها حروب دينية، وغزوات قتل، وشرد فيها الملايين.. بدعوى الدين، الذي هو – في جوهره – ينادي بالحب والسلام والأخوة. ولكن بعد الثورة الفرنسية، والأفكار الإنسانية الرائعة، نجد فرنسا بقيادة السيد نابليون.. تحارب إنجلترا والنمسا وألمانيا وروسيا وإسبانيا، وتغزو مصر وإيطاليا، كل ذلك تحت المبادئ الإنسانية. 

وفي القرن التاسع عشر في أوروبا، كانت حرب القرم بين الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية العثمانية، وتدخلت فرنسا وإنجلترا. ثم جاءت الحرب الفرنسية-الألمانية. وفي أمريكا الحرب المكسيكية-الأمريكية، والحرب الأهلية الأمريكية.. التي استمرت أربعة أعوام من الدمار الشامل في أمريكا. وفي آسيا حرب الأفيون بين الصين وبريطانيا، والحرب الصينية-اليابانية. وفي نهاية القرن، احتلت بريطانيا وفرنسا معظم دول إفريقيا. وفي القرن العشرين قامت الحربان العالميتان الأولى والثانية، وحروب أخرى في كوريا وفيتنام وأفغانستان، والحروب الإسرائيلية العربية، ثم حرب الخليج والبلقان. والآن.. تجري حرب إبادة للشعب الفلسطيني، وهي مستمرة شهوراً طويلاً.. أمام العالم كله، الذي لا يفعل شيئاً.

دعنا إذن نفكر. الإنسان يتحدث ليل نهار.. عن تمسكه بالدين، الذي هو الحب والسلام. وتمسكه بمبادئه الإنسانية، والقواعد التي سنتها الثورة الفرنسية. ولكن هل هو فعلاً يطبق هذه المبادئ. على المستوى الفردي، هناك أفراد في كل مجتمع.. يدافعون عن الإنسانية، ويعملون لمصلحة المجتمع، ومستقبل أبنائه، ويضحون بوقتهم وأموالهم وحياتهم.. من أجل مستقبل أحسن للمجتمع. ولكن هؤلاء قلة صغيرة. أما المجتمع – كوحدة كبيرة – فهو شديد الأنانية، وشديد القسوة والعنف، والظلم على الفئات الأضعف، وقد شاهدنا ما حدث للسود في أمريكا.. بمعاملة العبيد لعقود طويلة، وكيف كان تحرير السود أمراً شديد الصعوبة.. بسبب قسوة النفس البشرية عند الكثير من البيض، وكيف كان تحرير السود يحتاج إلى ثورة وحرب وقتل وعنف. حدث ذلك كله. وهناك كتاب وشعراء وفلاسفة وفنانون أمريكيون، يتحدثون عن المساواة والحرية والإخاء، بينما ممارسات القتل والضرب والإهانة للسود.. مستمرة.

الشعب الأمريكي – الذي هو أكثر شعوب العالم حديثاً عن الحرية والمساواة – هو الذي أباد سكان أمريكا الأصليين، ولم يستطع التعايش معهم. وبعد عقود طويلة من الحديث عن حرية الصحافة والإعلام، تحدث في الانتخابات الأمريكية الآن أحداث.. مشابهة لما يحدث في دول العالم الثالث، وهو ما يعني أن الإنسان هو الإنسان. في معظم الأحوال.. إن لم تردعه القوانين والنظم، يتحول بسهولة بالغة إلى ديكتاتور.

على مدار عقود طويلة، كان الكثيرون.. متعاطفين مع المواطن الصيني والروسي؛ بدعوى أنهم تحت حكم شمولي، وليس عندهم الحرية. وهذا صحيح. ولكن العالم الثالث الآن يعيش في ظروف أكثر شمولية، والعنف الشديد مع المواطنين.. وصل إلى مراحل رهيبة، والسجن والتعذيب أصبحا أموراً عادية.. لا تثير الغضب. بل وصل الأمر – في بعض الدول – إلى حروب أهلية؛ بسبب صراع على السلطة والنفوذ والمال، ولا قيمة لشيء له علاقة بحب الوطن.. مثلما يحدث الآن في السودان، وحدث مسبقاً في رواندا. هذه كلها أفعال الإنسان.. الذي – في معظم الأحوال – إذا أتيحت له الفرصة، وإن لم يردعه قانون – يؤذي الآخرين، ويعمل لصالح نفسه فقط.

الأوروبيون – في معظمهم – يعيشون في رخاء اقتصادي، وحين تكون الظروف سيئة.. فهي أمر نسبي؛ فكلهم لهم بيوت يسكنونها، وكلهم يأكلون ويشربون ويتعلمون، وكلهم لهم حرية كاملة.. في التعبير عن آرائهم، وتكوين أحزاب يخوضون بها انتخابات، وكلهم يتحدثون عن أهمية حقوق الإنسان، ويكوّنون جمعيات، ويطوفون العالم كله.. للدفاع عن إنسان مظلوم، أو حتى حيوان يساء معاملته. 

هذا المجتمع الأوروبي لم يعبر عن نفسه ومبادئه وآرائه.. في وقت يحدث فيه حرب إبادة للشعب الفلسطيني. نعم هناك مظاهرات ضخمة – في كل بلاد أوروبا – تدافع عن الفلسطينيين، لكنها ليست ضخمة بما فيه الكفاية.. لتضغط على الحكومات الأوروبية لتتخذ قرارات لصالح الفلسطينيين. نعم حكومتا إسبانيا وأيرلندا.. اتخذتا قرارات حاسمة واضحة، لكن هناك دول كبرى في أوروبا أغمضت عينيها تماماً وكأن شيئاً لا يحدث. وحديثاً اعترفت دول كبيرة بالدولة الفلسطينية.. وهو شيء جيد، لكنه مازال رمزياً.

اليهود تاريخياً تم اضطهادهم في أوروبا لمئات من السنوات، وفي أمريكا لعدة عقود، ووصل هذا الاضطهاد إلى ذروته.. في أثناء الحكم النازي والحرب العالمية الثانية؛ وهو أمر غير إنساني تماماً. وأنا أتعجب من تصرف اليهود في إسرائيل.. مع الشعب الفلسطيني؛ فهؤلاء الإسرائيليون – الذين عانى آباؤهم وأجدادهم من الاضطهاد في أوروبا -ةكان من المفروض ألا يقوموا بنفس الدور.. الذي قام به الأوروبيون معهم.

في النهاية، يبدو أن قوى الشر عند الإنسان.. أكبر وأقوى وأعظم من قوى الخير. وهذا يظهر في اتجاه المجتمع ككل، ويلاحظ أن نسبة الأشرار من المواطنين.. الذي يسعون إلى السلطة، أكبر بكثير من الأخيار. ولذا، فأغلب الحكام عندهم ميول للسطوة والعنف. وإذا كانت الظروف المحلية والدولية مواتية.. يسعون إلى الحروب وتدمير المنافسين، وسجن الشعوب وإهانتها. 

… للأسف الشديد، الإنسان الطيب المسالم، المحب للحرية وللبشرية.. أصبح مهمشاً في هذا العالم. وإذا كان موهوباً، سيكون له فقط.. مكان في كتب الفلسفة.

(قوم يا مصري.. مصر دايماً بتناديك).

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة