استعرض محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أبرز ملامح التطوير الهيكلي التي تبنتها الهيئة في السنوات الأخيرة بهدف بناء أسواق مالية أكثر كفاءة وانفتاحًا وتكاملًا مع الاقتصاد العالمي، مؤكدًا أن الهيئة تضع على رأس أولوياتها تعزيز مستويات الشفافية والحوكمة، وتوسيع قاعدة المشاركة المؤسسية في السوق، باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق الانضباط والاستدامة في بيئة الاستثمار.
وأشار رئيس الهيئة إلى أن توسيع قاعدة الملكية في السوق المصرية يجب أن يشمل المؤسسات المالية بمختلف أنواعها، مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين وصناديق الاستثمار، لما تلعبه من دور حاسم في رفع جودة القرارات الاستثمارية، وتحسين كفاءة التسعير داخل الأسواق، إضافة إلى مساهمتها في خلق توازن واستقرار أكبر في التداولات. وأوضح أن مشاركة المؤسسات المالية تعزز من التوجه نحو الاستثمار طويل الأجل، وتحدّ من المضاربات قصيرة الأمد، بما ينعكس إيجابًا على عمق السوق واستدامته.
وفي سياق متصل، أكد الدكتور فريد أن الرقمنة والتحول التكنولوجي أصبحا أحد أهم محركات التطوير في الأسواق المالية، مشيرًا إلى أن تبني حلول رقمية شاملة في مجالات مثل اعرف عميلك وفتح الحسابات الإلكترونية وتنفيذ المعاملات عبر القنوات الرقمية، قد أحدث نقلة نوعية في معدلات الشمول المالي والانخراط في النظام المالي الرسمي، وهو ما يتوافق مع الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة المصرية.
وأوضح أن هذه الخطوات ساهمت في تمكين فئات جديدة من المستثمرين والمستهلكين، لا سيما من الشباب ورواد الأعمال، من الوصول إلى الخدمات المالية غير المصرفية بسهولة وأمان، وهو ما يعزز الاندماج المالي ويقوي مناعة الاقتصاد الوطني أمام التحديات العالمية.
كما تطرّق الدكتور فريد إلى نجاح التجربة المصرية في دعم بيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة، لافتًا إلى أن الجهود المتكاملة التي بذلتها الدولة، بالتعاون مع الهيئة، في تطوير التشريعات المنظمة لأنشطة رأس المال المخاطر وتمويل الشركات الناشئة، قد جعلت مصر تحتل المرتبة الأولى أفريقيًا في جذب استثمارات رأس المال المخاطر خلال الأعوام الأخيرة.
وبيّن أن هذه الإنجازات إنما جاءت نتيجة لتبني رؤية واضحة لتشجيع الابتكار، واستراتيجية تهيئ بيئة استثمارية قادرة على احتضان الشركات الواعدة، وتوفير التمويل اللازم لنموها، بما يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاقتصاد الرقمي.
وفي لقاءاته المتعددة، شدد رئيس الهيئة على أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من التعاون الفني والتنسيق المؤسسي مع الشركاء الدوليين والمؤسسات الاستثمارية العالمية لتبادل الخبرات ودعم بناء القدرات المحلية، خصوصًا في مجالات التمويل المستدام والتحول الرقمي، فضلًا عن تطوير آليات جديدة لتسهيل دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى السوق المصرية.
وأكد الدكتور فريد أن الهيئة تعمل على إعادة صياغة العلاقة بين التنظيم والابتكار، بحيث يتم الجمع بين حماية المستثمرين من جهة، وتسهيل دخول منتجات مالية جديدة من جهة أخرى، بما يواكب التطورات السريعة في أدوات التمويل الحديثة، مثل التمويل الأخضر، والصكوك، ورؤوس الأموال المغامرة.
وأضاف رئيس الهيئة أن الهيئة العامة للرقابة المالية تواصل العمل على تعزيز التكامل بين أسواق المال المصرية والأسواق الإقليمية والدولية، وتطوير البيئة التشريعية والتنظيمية لتكون أكثر مرونة وجاذبية، مع الالتزام بأعلى معايير الإفصاح والحوكمة، مؤكدًا أن هذا التوجه يهدف إلى جعل السوق المصري مركزًا محوريًا لتدفق الاستثمارات، ونموذجًا متوازنًا يجمع بين الكفاءة والانضباط والشفافية.