وجيه وهبة
واهمٌ من يتصور أن تنظيم «جماعة الإخوان المسلمين».. قد توقف عن العمل السري، والسعي لاختراق كافة مؤسسات المجتمع؛ الرسمية منها والمدنية. وواهمٌ من يتصور أن الخلافات بين تلك «الجماعة المحظورة» وبين «الجماعات السلفية».. تحول دون اصطفافهما معاً، حين تأتي اللحظة المواتية، ويعلو صوت النفير.. لمواجهة «فلول» أنصار «الدولة المدنية» – و«العلمانية» هو الوصف الأدق – والقضاء على ما تبقى من اليسير من الملامح المدنية الهزيلة لتلك الدولة.
منذ الصغر – وعبر عقود طويلة – كنت مشجعاً للنادي الأهلي، أهلي ترأسه – مع حفظ الألقاب – «مرتجي» و«عبده صالح الوحش»، و«صالح سليم»، و«حسن حمدي» و«محمود طاهر»، ولكنني اليوم – وللأسف الشديد – بدأت أشعر بخفوت هواي الأهلاوي.. لأهلي يترأسه «الخطيب». هذا الموهوب، الذي طالما أعجبنا فنه، وأدهشنا دهاؤه الكروي كلاعب، هو – للأسف – كرئيس.. يثير شكوكنا بدهاء من نوع آخر، غير كروي، وغير محمود، وذلك باختياراته للأجهزة الفنية واللجان، بما قد يشي – إذا أحسنا النوايا – بالهوى الإخواني، إن لم يكن شيئاً آخر.
اختراق «الإخوان» لنادٍ بهذا الحجم، وهذه الجماهيرية، ويُعد أكبر حزب في مصر – في ظل غياب الحياة السياسية الحزبية – هذا الاختراق، هو شأن أمني وسياسي خطير. وتسقط عندي أية اهتمامات أو انتماءات أو تشجيع «كروي»، أمام أمن ومصلحة البلاد والعباد. ونعلم جميعاً مغبة انفلات زمام الملايين من جماهير الألتراس – وغالبيتهم من الصبية والمراهقين والشباب صغير السن، من الفقراء ثقافياً ومعرفياً – وإذ يسهل اللعب بأدمغتهم، وتوجيههم ودفعهم لتحقيق أغراض من يوجههم، ويمولهم مالياً، ويلعب على أوتار عاطفتهم الدينية، ويتيح لهم التنفيس عن طاقات العنف والغضب والعدوان، في صورة تدمير وتخريب.
لقد نبهنا أيضاً إلى خطورة «الكورة».. بكل عناصرها وملايين جماهيرها، وإلى خطورة الانفلات السلوكي لتلك العناصر، وخطورة التراخي من المسؤولين عن تلك المنظومة الكروية. وحينما تتعالى الصيحات، ويهتف الآلاف في الملعب ضد أحد اللاعبين.. بأحط وأفحش ألفاظ السباب، التي تخدش أسماع الملايين أمام الشاشات في المنازل. فإن على الأجهزة المعنية أن تتحرك، وعلى اتحاد الكرة أن يعاقب تلك الجماهير، ويحرمها من دخول الملاعب لفترة ما، فمن أمن العقاب أساء الأدب. وإذا لم يفعل الاتحاد المسؤول عن إدارة اللعبة ذلك، فإنه لا بد وأن يخضع للمساءلة، فمن أمن المساءلة أساء الإدارة. أما التجاهل، ففضلاً عن أنه يشجع على تفشي تلك السلوكيات المنحطة، فإنه يبين أيضاً عن ضعف «الإدارة» وعشوائيتها، وما قد يستتبع ذلك من تحفيز على الانفلات.. في سياقات أخرى عديدة.
تعليم بلا فلكه
على مدار السنين، تحتل «فنلندا» دائماً المرتبة الأولى.. في قائمة أفضل تعليم مدرسي، وقبل مدرسي.. في العالم. والتعليم الفنلندي يهتم – في مراحله الأولى – بتنمية القدرات اللغوية والاجتماعية والمعرفية، والمهارات اليدوية، واللعب، وكافة الأنشطة الفنية الخلاقة، والاحتكاك المباشر بالطبيعة. وجميع معلمي التعليم الأساسي.. حاصلون على مؤهل تعليمي بدرجة ماجستير. ولا إلزام للتلاميذ بخوض امتحانات.. قبل بلوغ سن الـ 16.
هذه بإيجاز.. نظرة على أفضل تعليم أطفال في العالم. لا حفظ ولا تلقين، ولا حشو أدمغة بلغو عبثي. لا تفرقة طبقية، لا ازدواجية في نوع التعليم، بين المدني والديني. معلمون مؤهلون، لا رجال دين. وللعلم.. ليس لديهم في «فنلندا» «كتاتيب». التعليم الرشيد.. يرتكز على مناهج علمية، للمراحل العمرية المختلفة. يطبقها معلمون مؤهلون. والأمثلة للاحتذاء كثيرة، «ولن نعيد اختراع العجلة». والمجتمع الرشيد ينأى بنفسه عن قولبة عقول الصغار، وتفخيخها مبكراً بألغاز وألغام عنف موقوتة، تثمر في سن المراهقة ومطلع الشباب، وتنفجر بوحشية ودموية في وجه الآخر.. المختلف عقيدة أو مذهباً أو فرقة.
أفغنة
في بلد تبلغ درجة الحرارة فيه صيفاً.. حداً لا يحتمل، فإن التوسع في منع لابسي «الشورت» من ارتياد الأماكن العامة والمستشفيات، أو من ركوب وسائل المواصلات العامة، أو التضييق عليهم، يعد نوعاً من التشدد والتطرف المقيت. فهل نحن في مجتمع يسير حثيثاً في طريق الأفغنة، وإن ادعى الاعتدال والوسطية؟
الشعار وفطنة الاختيار
«محمد رسول الله»، شعار من 13 كلمة، تصطف رأسياً على 3 أسطر داخل دائرة، بذات الترتيب.. من الأعلى إلى الأسفل. يُعرف الشعار لدى الكثيرين بأنه يماثل خاتم «النبوة». ولكن.. هناك من يتبنى شعاراً آخر، يعكس فيه ترتيب الكلمات الثلاث، فيكون لفظ الجلالة؛ «الله» في السطر الأول من أعلى، ويليه في السطر الثاني كلمة «رسول»، ثم في السطر الثالث كلمة «محمد»، وهذا ترتيب يجافي المنطق واللغة العربية، فهي لغة لا تُقرأ من أسفل إلى أعلى. واختلف الرواة عن أي الشعارين.. هو الأصح والمطابق لخاتم النبوة. والمسألة غير محسومة بين الروايتين، وهو في النهاية مفاضلة بين روايات وليس بين حقائق مؤكدة.
المزايدون والمتطرفون – بحجج واهية – يميلون إلى الشعار الثاني، الذي يُقرأ من أسفل إلى أعلى، ومن هؤلاء تنظيم «داعش» الإرهابي، والذي اتخذ من ذلك الشعار علماً وراية له.
خلال الاحتفال بذكرى «المولد النبوي الشريف»، بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية، تصدر الشعار الذي اختارته «داعش» – المشار إليه سابقاً – تصدر خلفية المسرح، معلقاً خلف الخطباء في ذلك اليوم، وفي مقدمتهم «رئيس الجمهورية». اختيار هذا الشعار يبين عن افتقاد للوعي بخطورة الرسائل البصرية، وافتقاد إلى الفطنة واللياقة، وقصور في إدراك أن درء الشبهات.. مقدم عند المفاضلة بين الشعارين، هذا إذا أعملنا الفكر.. ولو قليلاً.
نقلاً عن «المصري اليوم»