Times of Egypt

الأنبا باخوميوس الوطني المتميز

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال


يبقى المكون المسيحي في الثقافة المصرية خاصة – والعربية عامة – عموداً أساسياً في بنياننا
التاريخي والحضاري، ويبقى إهماله – في برامج الدراسة بالتعليم العام والجامعي – عواراً يشين
من يقفون وراء ذلك أو يتجاهلونه، ويتضاعف الأمر إذا ما اتصل بالمثقفين والمعنيين بالشأن
العام في وطننا.
ومن المزري، أن تجد من اتسعت حصيرته الثقافية لتشمل ما يتصل بكل ما هو معرفي وعلمي –
غربى أو شرقي – ولكنها تخلو من أي إلمام بثقافتنا الوطنية، ومكوناتها الوجدانية التليدة، التي
منها تراثنا المسيحي المصري والعربي.
أقول ذلك، إذ أكتب هذه السطور عن شخصية عظيمة مهمة.. ليس في كنيستنا الأرثوذكسية فقط،
ولكن في تاريخنا الوطني المصري، هو الأنبا باخوميوس – مطران البحيرة – الذي تنيح منذ عدة
أيام، ورثته الكنيسة، وعمَّ الحزن على رحيله.. في قلوب رعيته، وكل من عرفوه وعرفوا دوره..
من المسيحيين والمسلمين.
وقبل أن أستطرد فإن كلمة «تنيَّح».. معناها ارتاح؛ لأن النياحة تعني الراحة، وتُستخدم بدلاً من
كلمة موت أو وفاة، لأن الكنيسة تعتبر أن المفهوم الصحيح للموت.. هو الانتقال لعالم أكثر راحة.
ويذهب البعض إلى أن الكلمة جاءت من أصل عبري.
أما الراحل الكريم.. فإن اسمه المدني هو «سمير خير سكر»، وُلد في 17 ديسمبر 1935 في
شبين الكوم، وحصل على بكالوريوس التجارة عام 1956 في جامعة عين شمس، ودرس في
كلية اللاهوت ومعهد الدراسات القبطية، وترهبن، وصار اسمه باخوميوس على اسم القديس
باخوميوس.. الأب المؤسس لنظام الشراكة الديراني.
وحسب موقع الأنبا تكلا – الذي أستقي منه هذه المعلومات – إضافة للموسوعة القبطية، فإنه إذا
كان القديس أنطونيوس الكبير.. هو أب الأسرة الرهبانية؛ بكونه أول قائد للحركة الرهبانية في
العالم، وتتلمذ على يديه رهبان متوحدون، عاشوا منفردين في مغارات أو «قلالي» – «جمع
قلاية» منفردة – فإن القديس باخوميوس.. هو مؤسس الأديرة المشتركة، التي يترهبن فيها عديد

من الأشخاص، وله قصة طويلة في التراث المصري المسيحي، تبدأ من مولده في جنوب الصعيد
حوالي عام 292 ميلادية، وفيها تجليات وكرامات إعجازية عديدة.
ولقد كانت مسيرة الأنبا باخوميوس – مطران البحيرة ومطروح والمدن الخمس – مسيرة حافلة،
منذ كان شاباً يافعاً في التعليم الثانوي.. إلى أن تولى موقع قائمقام البابا، بعد رحيل مثلث الرحمات
البابا شنودة.
وفي هذه المسيرة، أتوقف طويلاً أمام معلومة شديدة الأهمية، وعميقة الدلالة؛ عرفتها من أحد
تلامذة ومحبي الأنبا الراحل، وحكاها للدكتور ماجد موريس – صديقي، ابن دمنهور
والإسكندرية، الاستشاري النفسي المرموق – إذ قال إن أبانا باخوميوس حكى له أنه وقت أن كان
قائمقام البابوية.. قبل انتخاب البابا تواضروس، كان يقيم في دير الأنبا بيشوي، وجاءه اتصال من
السفارة الأمريكية بالقاهرة، يطلبون فيه تحديد موعد لزيارة هيلاري كلينتون للدير.. حتى تلتقيه،
وكانت قد التقت قيادة المجلس العسكري، والتقت مرشد الإخوان بديع، وجاء رد المطران برفضه
استقبالها، وتوالت الاتصالات من جهات سيادية – آنذاك – فلم يرد عليها. إلى أن حدث اتصال
مباشر من إحدى القيادات العليا بتلك الجهات، وكان رد المطران.. هو تأكيد رفضه استقبال
هيلاري، حتى يقطع الطريق على أي مزايدة وضيعة، تمس وطنية الكنيسة المصرية!
… هذا موقف لا يعرفه كثيرون، ولم يأتِ أحد على ذكره.. في كل ما كُتب وقيل عن الأنبا
باخوميوس. وأؤكد أن موقفه متصل بالمواقف الوطنية التاريخية.. للكنيسة، والأقباط المسيحيين
المصريين.
ثم أنتقل إلى مسمى «المدن الخمس» – الذي يرد فى التعريف ببابا الكنيسة المصرية وبمطران
البحيرة – ويُقصد بها مجموعة من المدن أو المناطق في شمال أفريقيا، خاصة في ليبيا، الامتداد
البري غرباً لمصر؛ وهي: القيروان أو سيرين التي أنشأها الإغريق عام 631 قبل الميلاد، ثم
برنيق التي هي الآن بني غازي، وأسسها الإغريق وسُميت على اسم زوجة بطليموس الأول، ثم
برقة التي تقع في الداخل بالجبل الأخضر، ثم طوشيرا التي تسمى حالياً توكرة أو طوكرا،
وأنشأها الإغريق عام 510 قبل الميلاد، ودُعيت باسم أرسينوى.. والدة بطليموس الثالث، وأخيراً
رقم خمسة، وهي أبولونيا التي هي الآن مرفأ سوسة.. والبعض يخلط بين قيروان ليبيا وقيروان
تونس، التي هي خارج نطاق كرسي القديس مرقس الرسول.

نحن – إذن – بصدد رحيل وتنيح شخصية وطنية عظيمة، بوعيها ونظرتها الثاقبة، وقيادة كنسية
متميزة متفردة، استطاعت أن تقود السفينة الأرثوذكسية القبطية.. في فترة شديدة الحرج
والحساسية، حتى أوصلتها لبر الأمان.. بتجرد وتواضع ووعي لافت. رحمه الله رحمة واسعة.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة