Times of Egypt

الأقنعة والتاريخ والمعاصرة (4)

M.Adam
وجيه وهبة 

وجيه وهبة 

حينما نقرأ كتاب «لويس عوض».. «أقنعة الناصرية السبعة»، يصادفنا بعض من الاختزالات المُخِلَّة والآراء المتناقضة للكاتب. وربما يمكن فهم تلك التناقضات.. في إطار السياق الزمني لكتابه، ومواءمات النشر عام 1975. أو ربما أوقع الكاتب في هذه التناقضات والاختزالات المُخِلَّة، بعض من الميول والأهواء الشخصية، بالإضافة إلى الإسراف في حرصه على الظهور بمظهر «الحياد».. بين منتقدي «عبدالناصر» ودراويشه، فكان كما يُقال: «يضرب ويلاقي»، وكأنه أراد لكتابه أن يكون نقطة في منتصف المسافة.. بين كتاب «عودة الوعي» لتوفيق الحكيم ونقده اللاذع، وكتاب «الوعي المفقود» للناصري المُتَيَّم «محمد عودة».

ولنتأمل بعضاً من تلك التناقضات والاختلالات. يُحيي «لويس عوض» ذكرى «ناصر»: «هذا الزعيم الكثير الأخطاء…، هذا الضابط المتعجرف، الذي وقف يوم الاعتداء عليه في ميدان المنشية 1954، يُهين الشعب المصري.. قائلًا: «أنا علمتكم العزة والكرامة»، والذي انتهى به الأمر عند إعلان «الميثاق» 1962 بقوله: «الشعب هو المعلم العظيم».

لم يتوقف «زبانية زوار الفجر».. عن زيارة هذا «المُعلِّم».. «طوال فترة عبد الناصر»، حسبما ذكر الكاتب في موضع آخر. يطالب «لويس عوض» بألّا ننظر إلى فترات «الجَزْر» لناصر و«ثورته»، ونتجاهل فترات «المد». وينبئنا بأن الثورة المصرية – على الرغم من أن بذورها قد اندثرت بهزيمة 1967 – إلا أنها «راقدة تحت التربة المصرية والعربية، وحين يأتي الأوان سوف تُخضر براعمها.. من كل ما هو إيجابي فيها…».

واليوم – وبعد مُضي نصف قرن – نتبين أن الأوان لم يأتِ بعد.. والشواهد تشي بأنه ــ على الأرجح ــ لن يأتي أبداً. 

عاب «لويس عوض» على «ناصر».. سعيه إلى تصدير ثورته، قبل أن «يُصَفِّي أعداءها بالداخل»!!.. وأن سعيه هذا، كان هروباً من تعميقها بالداخل، ويقول: «لقد كانت «القومية العربية» ثم «الاشتراكية العربية»؛ مَهْرَب ناصر الموضوعي.. من مواجهة الفلاحين الحفاة…، والعمال الكادحين، وملايين الفقراء الضائعين…».

«ارتكب «ناصر» الإثم الكبير بأن جعل الدولة تُنافس الأفراد في الملكية، بعد أن اكتشف أنه بغير التنمية الضخمة لن يُوَزِّع إلا فقراً». «لم تكن هناك اشتراكية، ولكنها كانت رأسمالية الدولة».

«.. ترك عبد الناصر شعبه بعد ثمانية عشر عاماً من ثورته، ونسبة الأميين فيه 75%… ترك عبد الناصر شعبه كما تسلَّمه من فاروق: متوسط الدخل القومي فيه نحو 50 جنيهاً سنوياً للفرد الواحد، ومتوسط الأمراض فيه نحو ثلاثة أمراض للفرد الواحد، ولهذا أُمكن ضربه، ولهذا يجري الآن ضرب ثورته على قدم وساق….».

وعن «حسنين هيكل»، يقول «لويس عوض» إنه لم يقرأ له كلمة واحدة تقول: «لقد أخطأ عبدالناصر في كذا وكذا».. «وإنما كل ما قرأته في كتاب «بصراحة عن عبد الناصر» تفسيرات وتبريرات للناصرية… وكأنَّ شيئاً لم يكن. أو كأنَّ مصرع مصر والناصرية في 1967، كان مجرد جريمة من جرائم الاستعمار العالمي بلا زيادة ولا نقصان. فنحن مجرد ذبيحة بريئة من ذبائح الدول العظمى. لا مسؤولية علينا…».

وعن قضية الوجود المصري خارج مصر، يقول: «… إنك إذا أردت أن تُجرِّب تجربة محمد علي، فلا بد أن يكون لديك إبراهيم باشا، والكولونيل سيف سليمان باشا الفرنساوي. أما أن تُجرِّب تجربة محمد علي.. ومعك الصاغ عبدالحكيم عامر، الذي كان كلما خسر حرباً، انتقل إلى رتبة أعلى؛ فهذا أقصر طريق إلى الكوارث القومية».

وعن قول «هيكل» بأن «عبدالحكيم عامر» قد توقّف عند رتبة الصاغ، يتعجّب «لويس عوض» من أن «هيكل»: «يقولها دون انزعاج، ولا يطرح على نفسه السؤال المنطقي: وكيف ائتمنه عبد الناصر على قيادة الجيوش، وهو لا يستطيع أن يقود إلا كتيبة؟». وبعد أن خسر معركة الوحدة مع سوريا، كان ينبغي على عبدالناصر أن يُقيله، ويُجرِّده من رتبته العسكرية». وبعد أن خسر حرب اليمن، لم يفعل له «ناصر» شيئاً. «وعندما خسر حرب 1967، عندئذ فقط طُلب إليه أن يستقيل «بدلاً من أن يُحيله إلى المحاكمة العسكرية»… لأن مسؤولية الهزيمة اقتربت من عبد الناصر شخصياً، وكان لا بد من تقديم قُربان للشعب الغاضب…».

ولكن «عامر» «رفض الاستقالة، وأصرَّ على أن يجرَّ معه عبد الناصر إلى الهاوية: إن كانت هناك مسؤولية، فكلانا مسؤول. وكلانا ينبغي أن ينصرف…». «وحدة القيادة، جعلت مصر تعيش نحو عشرين عاماً فيما يشبه المونولوج».

«إن ثورة عبد الناصر ونظامه.. استخدما من القهر، أكثر مما يتناسب مع ما جلبا من تغيير.. وهذا من سلبياتهما، ولكن من الظلم لهما أن ندَّعي أنهما لم يُحدِثا أي تغيير في صورة المجتمع المصري، وفي مضمونه».

وإزاء الدعوة إلى إقامة المجتمع المفتوح.. بعد عشرين عاماً من الانغلاق، طالب «لويس عوض» حركة 15 مايو وقائدها «السادات».. بأن تتعرَّف على ماهيتها: «هل هي مجرد حركة تصحيح في مسار الثورة الناصرية.. التي انحرفت، أم أنها ثورة تصحيح لمسار المجتمع المصري.. بإقامته على الانفتاح، بدلاً من إقامته على الانغلاق، وبإقامته على القومية المصرية بدلاً من إقامته على القومية العربية، وبإقامته على تقديس الملكية، بدلاً من إقامته على تحديد الملكية؛ وبإقامته على قيم الحاضر.. بدلاً من إقامته على أسطورة «البعث» وإحياء الماضي… إلخ».

ويختتم «لويس عوض» كتابه بقوله: «.. إن الثورة الناصرية شاخت، كما تشيخ كل الثورات….. وإن «مصر» بحاجة إلى «عقد اجتماعي جديد». ولكم خاب ظن هذا المفكر الكبير المتفائل، فالعقود القديمة ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة