Times of Egypt

الأقنعة والتاريخ والمعاصرة (2)

M.Adam
وجيه وهبة 

وجيه وهبة


ما زلنا مع شهادة الدكتور لويس عوض – في كتابه «أقنعة الناصرية السبعة»، ورأيه بأن كتابة التاريخ،
والحكم على أبطاله.. تكون أكثر عدلاً؛ كلما ابتعد كاتبه عن معاصرة الأحداث، وإن كان ذلك لا يحول
دون أن يصدر المعاصرون أحكاماً، لكنها ستظل أحكاماً مشوبة بالأهواء الذاتية والعاطفة، وغير ذلك مما
ينتقص من موضوعيتها.
ونحن لسنا مطالبين بالتسليم بكامل نقد.. وشهادة لويس عوض، أو قراءته لثورة يوليو 1952، ولقائدها
عبد الناصر.. تلك التي سجلها عام 1975. ولكننا، ونحن نعيد قراءة شهادته عن تلك الثورة – سواء كانت
الشهادة لها أو عليها – نضع نصب أعيننا قاعدة «ما لا يدرك كله، لا يترك كله».
في فصل من كتابه – تحت عنوان «المحاسن والأضداد» – يقول الدكتور لويس عوض.. رداً على تعالي
أصوات الهجوم على «القطاع العام»، إنه ليس من العدل أن نتسرع في الحكم على القطاع العام.. بالإدانة
أو البراءة، دون دراسة كافية. كما يقول عن الادعاء بأن «مصر» بلد فقير: «ابحثوا دفاتر مصر جيداً، فقد
لا تكون مصر مفلسة إلى هذا الحد.. الذي تحاول أن تصوره قلة من العقلاء المتشائمين، وكثرة من شبيحة
المال والسياسة، والأفاقين المغامرين. بل وربما تروجه عنا الدول الاستعمارية.. لتشهر بنا وباقتصادنا
،على غرار ما كان يفعله الاستعمار الأوروبي أيام الخديو إسماعيل، لتبرر التدخل في شؤوننا والتحكم في
سياستنا…».
ثم يعود إلى «القطاع العام» فيقول: «مما لا شك فيه، أن النظام المغلق.. الذي أسسه عبد الناصر، جعل
من المستحيل معرفة ما كان يجري داخل مؤسسات القطاع العام وشركاته… وجعل مسألة العقاب على
الانحرافات وسوء التصرفات غير ممكن، لأنهما كانا يتمان بأمر (الحكومة الخفية)، التي لم تكن مسؤولة
أمام أحد.. إلا عبد الناصر وحده».
الجنسية الثورية
ويعرج الدكتور لويس عوض إلى الحديث عن المشاكل – التي واجهت «ثورة يوليو» منذ قيامها – وأولاها
الاختيار بين رجال الكفاءة ورجال الثقة، فيقول: «لم تجد الثورة سبيلاً لحماية نفسها من أصحاب القديم،

ومن التيارات الثورية الأخرى – المتلاطمة طوال عهد الثورة – إلا بالاعتماد على (الضباط الأحرار)،
ومن لاذ بهم من ضباط الصف الثاني، أو المدنيين المتقربين؛ على أساس الولاء الشخصي، ودون قيد فني
أو شرط فكري. فسلمت كل قطاع من قطاعات الإنتاج والخدمات.. إلى قيادة من القيادات العسكرية أو
شبه العسكرية، وجعلت كل تعيين أو ترقية.. بقوة القانون؛ من الدرجة الخامسة فصاعداً.. لا يتم إلا
بموافقة المخابرات العامة ومكاتب الأمن. وفي بعض القطاعات الحساسة؛ كأجهزة الإعلام، وفي بعض
المستويات العليا.. كمجالس الإدارات، إلى جانب ذلك عضوية الاتحاد القومي، أو عضوية الاتحاد
الاشتراكي. وبذلك جعلت الجنسية المصرية في المرتبة الثانية.. بعد الجنسية الثورية، واعتبرت كل
مواطن مصرياً عدواً للثورة.. ما لم يحصل على شهادة – أو تأشيرة – من مسؤول.. بأنه عكس ذلك. ولا
شك أن بعض الضباط الأحرار، وبعض من تخيرتهم الثورة من الإداريين والفنيين المدنيين.. قد أثبتوا أنهم
على درجة عالية من الكفاءة، وعفة اليد، وروح الخدمة العامة. ولكن أيضاً كان بينهم نسبة عظيمة.. من
الجهال، وخربي الذمة، والمستهترين، وعُبّاد النفس والأقارب والمعارف.. بدرجة ساعدت تخريب الإنتاج
والخدمات…».
ويرجع لويس عوض – إلى حديث صحفي، أجراه بيتر مانسفيلد مع عبد الناصر، في مطلع الستينيات –
فيقول: «وجدتُه (الحديث) من أخطر وثائق الثورة.. التي تمكننا من فهم منهج عبد الناصر في إدارة البلاد،
وإدراكه الفطري العميق لعلم السياسة ولطبيعة السلطة. قال عبد الناصر لمانسفيلد ما معناه: عندما قامت
ثورة 1952، ساعدني في تحقيق هذه الثورة مجموعة من زملائي الضباط.. هم (الضباط الأحرار). ولكن
ما إن نجحت الثورة، حتى وجدت أن مشكلتي الأولى.. كانت كيف أبعد زملائي عن الجيش بالذات، لأنهم
تعاونوا معي في هذا العمل السياسي، فأنا لا أؤمن بأن من حق الجيش الاشتغال بالسياسة، وإلا غدت
مصر – وهي النموذج العظيم للحكومة المركزية، ولاستقرار الحكم – مثل جمهوريات أمريكا اللاتينية،
التي لا تكف عن مزاولات الوثوب على الحكم.. بالانقلابات العسكرية. ولم يكن من المعقول أن أعاقب من
عاونني على تحقيق الثورة، وجازفوا معي بأرواحهم أو أرزاقهم، بفصلهم من القوات المسلحة. أو بمجرد
إحالتهم على المعاش أو الاستيداع، وهم لا يزالون في سن الخدمة العاملة. ولذا، فقد وزعتهم على
الإدارات الحكومية، وعلى المؤسسات والشركات العامة.. لتسييرها من ناحية، ولمراقبة أمن الدولة فيها
من ناحية أخرى. وبهذا كافأتهم على تضحيتهم، وخدمت جيش مصر بتنقيته من الضباط المشتغلين
بالسياسة».
ويعلق لويس عوض.. مشيداً بحديث ناصر هذا – عن إبعاده للضباط عن السياسة – بأن في ذلك دليلاً على
أنه «رجل دولة مدني العقلية».. «ولكنه في الوقت نفسه، أساء إلى الحياة المدنية المصرية، وإلى إدارة
الإنتاج المصري والخدمات المصرية، بفرض العديدين من ناقصي الخبرة محدودي الثقافة.. على حياتنا

المدنية، وقد كان منهم أيضاً.. فئة فاسدة الخلق، طغت وبغت، وأرهبت الأهلين.. لنهب المصادرات
والحراسات والمال العام، أو لإشباع عقدها السادية في بعض الأحيان».
الحكم على شهادة لويس عوض.. تلك، التي لا ينقص من قدر أهميتها، تحيز هنا أو تحامل هناك – من
وجهة نظر القارئ – يجب أن يراعى سياقها الزمني ومعطياته.. منذ خمسين عاماً، وإن تشابهت علينا
الأزمنة.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة