عادل نعمان
المواءمات – في معناها البسيط – هي عدم الصدام مع الواقع، أو المداهنة والمصانعة.
وأتصوَّر أن هذه المواءمات، وإن كان يفرضها الواقع على السياسة، إلا أنه لا يصح أن تُفرض على الأديان، ولا يجب أن تلتزم بها… هكذا أتصور! ولست أدري لماذا تصر الأديان على المواءمة.. مع مفردات وعادات ومكونات وأعراف زمانها، وممارسات وأساليب وقتها، مع أن أهم أسباب بعثتها هو الخلاص من جاهلية، وممارسات ذاك الزمان، فكان ظلم الاسترقاق قائماً وماثلاً وأبقت الأديان عليه، والعبودية كانت موجودة في المجتمعات اليهودية والمسيحية والإسلام عبر التاريخ واستمرت في الطريق معاً، والسبي والأسر وبيع الأنفس.. داومت وتلازمت مع الأديان، إلى أن تخارجوا وتحرروا وغزوا البلدان، واستلاب أموال خلق الله ظل ثابتاً ومستمراً ومصدراً للرزق والخير.
ولم يكن حال النساء أسعد حظاً من حال العبيد والرقيق، فكانت منزلتهن أدنى من منزلة الرجال، واتفقت في ذلك المجتمعات.. قبل وبعد ظهور الأديان على هذا، وظلت المجتمعات ذكورية يتسيدها الرجل، وظلوا على هذا النحو قروناً.. حتى برئ العبيد من ظلم السادة، وسلمت المرأة من غبن الرجال بالثورات التحررية.
وإن كانت منزلة المرأة هذه، لها ما يبررها في الجزيرة العربية، فليس لها ما يبررها في بلدان أخرى، حين كانت المرأة والرجل على السواء في الخبرة والعلوم والوعي، فقد كانت المرأة في الجزيرة أقل فهماً ووعياً من الرجل.. الذي صهرته الحياة، وأكسبته من المهارات والكفاءات ما زاد عنها.. بحكم التعامل اليومي مع الناس والأحداث والبيع والشراء والتفاعل والسفر والترحال، وقد كان نصيب المرأة في هذه النواحي محدوداً، وإن كان في تاريخهم من النساء.. من كان لهن شأن أعظم؛ كخديجة بنت خويلد، وهند بنت عتبة.
إلا أن القاعدة العامة، أن النساء كن أقل شأناً وقيمة من الرجال، وقد أكد هذا القرآن «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، وأحاديث كثيرة عن النبي.. دعمت هذا الموقف، ومنها «مر الرسول على نساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني أُرِيتكن أكثر أهل النار، تكثرن اللعن، وتكفرن العشير…» إلى آخر الحديث… «فذلك من نقصان دينها» رواه البخاري، إلا أن الواقع يؤكد أن هذه الآية، وكل الأحاديث.. كانت تتطابق وتتوافق مع ما كان قائماً.، ولا أتصور أن هذا الحكم ينسحب إلى زمن آخر وأماكن أخرى، حيث اكتسبت المرأة مهارات الرجل.. وقت أن زاحمته مجريات الأحداث والمهارات والعلوم والخبرات، فكيف يكون حكماً ثابتاً جامداً راسخاً لا يتغير، ومعطيات الأمور وواقعها طرأ عليه من المتغيرات ما يقلب الموازين؟
وسبب نزول آية القوامة – باختصار – أن حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، نشزت على زوجها «امتنعت عنه في الفراش» فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي، فقال: أفرشته «زوجته» كريمتي فلطمها! فقال النبي: لتقتص من زوجها «تلطمه». وانصرفت مع أبيها لتقتص منه، ثم عاد النبي في طلبه، وقال له: «ارجعوا، هذا جبريل أتاني». وأنزل الله هذه الآية «الرجال قوامون على النساء …» إلى آخر الآية.
وقال «أردنا أمراً وأراد الله أمراً آخر» وقد كان للرجال السهم الأكبر في نشر الدعوة، ولربما لو صفعت المرأة زوجها.. قصاصاً منه، فإن هذا يثير حفيظة الرجال وتتأثر الدعوة سلباً وينسحب الرجال، والحكم هنا قد تجاوب مع الملابسات والواقع، واستجاب للأولويات، إلا أنه ظل قائماً وثابتاً عند هؤلاء ولم يتمدد مع المستجدات وتغيير الظروف والأحوال والتطورات التي لازمت المرأة وأكسبتها من الخبرات والعلوم ما تفوقت به كثيراً.
ثم نعرج قليلاً على ضرب المرأة «وأتصور أيضاً أن ضرب المرأة.. له علاقة بمكانتها عند العرب، وهي مكانة للأسف متدنية كما شرحنا»، وكان الحكم هو الضرب – أي الإيذاء البدني والعقاب الجسدي – مهما حاولوا إخفاء الحقيقة، أو التخفيف على الناس لمواكبة العصر، والحرج الذي يواجهونه من ضرب الأمهات والبنات. ولما قال الرسول «لا تضربوا إماء الله».. كان ينهى عن الضرب والإيذاء الجسدي؛ كما كان مسموحاً عند العرب. «وعارض هذا الأمر عمر بن الخطاب، وجاء إلى النبي وقال له (لقد زبر «نشز وغضب وتمرد» النساء على أزواجهن واجترأن عليهم)، وكانت الدعوة – في بداياتها – لا تحتمل هذا التمرد وهذا العصيان، ولربما يغضب الرجال ويرونه أمراً معوجاً.. تميل به النساء ميلاً شديداً ويتجرأن عليهم، والأمر لا يحتمل هذا الانفلات، الذي يشغل الرجال عن مهمتهم الرئيسية.. في تمكين الدين الجديد، وحمله حملاً إلى باقي أطراف الجزيرة، ولا يقدر على هذا إلا الرجال، فتنزل آية الضرب، وأمر الرسول بالضرب فضُربن، وهدأت نفوس الرجال، وخفت زئير النساء.
ما أريد أن أقوله – وعلى الله قصد السبيل – إن هذه المواءمات والمسايسات مع الواقع كانت حقاً مارسه الأوائل بمهارة، شملت نصوصاً قطعية الدلالة والثبوت واضحة وصريحة، وأغلق أبوابها مشايخنا حين كان من الضروري أن تتوافق الأحكام مع الواقع، تتآلف مع مصالح الناس ورغباتهم، ليست أبدية، بل زمنية التنفيذ ومكانية التطبيق.
نقلاً عن المصري اليوم