في كل مرحلة من مراحل جولته التي استمرت أربعة أيام في الخليج واختتمت الجمعة، استُقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمراسم مهيبة تخللتها عروض حراسة بمواكب الإبل والخيول العربية، وتقديم طائرة فاخرة كهدية، واستعراضات رقص شارك فيها مئات الرجال على دقات الطبول، والسيوف أمام قصور رخامية فخمة.
وبدت يوميات رحلته ومحطات جولته في السعودية وقطر والإمارات كما لو أنها أعدت خصيصا لمطور العقارات الذي تحول إلى رئيس والذي قد يستميله الإطراء، وينجذب للصفقات في تناوله لشؤون السياسة الخارجية، وتشده مظاهر الثراء الفاحش.
وإذا كانت هذه المظاهر صممت لكسب ود ترامب، فربما تكون قد حققت أهدافهاالمرجوة إلى حد كبير. فقد أعلنت دول الخليج عن استثمارات محتملة بتريليونات الدولارات في الولايات المتحدة أثناء زيارته، لكنها حصلت أيضا في المقابل على الكثير.
ووافقت الولايات المتحدة أمس الخميس على شراكة مع الإمارات لبناء مجمع ضخم للذكاء الاصطناعي في الدولة الخليجية. وفي خطوة مفاجئة يوم الثلاثاء، وافق ترامب على إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بناء على طلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حتى في الوقت الذي أوصى فيه بعض مستشاري ترامب بعدم التقارب مع سوريا التي كان رئيسها الجديد ينتمي من قبل لتنظيم القاعدة.
وقال الرئيس الأمريكي أمام حشد في مؤتمر للاستثمار في الرياض حيث أعلن القرار “أوه، ماذا عساي أن أفعل لولي العهد!”.
وقال محللون إن جولة ترامب في المنطقة قد تصبح نموذجا يُحتذى به في دول أخرى تبحث عن طريق إلى قلب الرئيس. وبدت المعاملة التي تلقاها ترامب طوال الأسبوع كأنها امتداد عالمي لما أصبح يحدث بانتظام في واشنطن، حيث يسارع أعضاء الحكومة إلى الإشادة بفطنة ترامب وبصيرته، وغالبا ما يمتدحون إنجازات الإدارة بصيغة أفعل التفضيل.
وقالت لورا بلومنفيلد، المحللة في شؤون الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية بجامعة جون هوبكنز في واشنطن عن قادة دول الخليج “لقد أحسنوا صنعا… كان تصميم التفاصيل مبهرا لجولة ترامب الملكية”.
رغم ذلك، غادر ترامب الشرق الأوسط دون التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو تجديد المساعدات الإنسانية لغزة. وأثار ديمقراطيون وجماعات لمراقبة الحكم الرشيد مخاوف من تأثر عملية صنع القرار لدى ترامب بالأبهة الملكية، ومن احتمال استغلال جهوده الدبلوماسية في تعزيز العمليات التجارية الواسعة لعائلته في شبه الجزيرة العربية.
وقال بريت بروين، وهو مستشار سابق في السياسة الخارجية للرئيس الديمقراطي باراك أوباما ورئيس شركة جلوبال سيتوسيشن روم الاستشارية “يبدو الأمر كأن بعض هؤلاء القادة تلاعبوا بترامب من خلال أبهة المراسم وفخامة (الاستقبال)”.
وأضاف “يثير كثير من هذا تساؤلات حول احتمالات حصول ترامب على مكاسب شخصية أو (مدى) عمله حقا على تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة”.
ودأبت إدارة ترامب على تأكيد التزامها بالشفافية وجميع قوانين الأخلاقيات لتجنب تضارب المصالح.
وقال تايلور روجرز، وهو متحدث باسم البيت الأبيض، “الدول في الشرق الأوسط تفعل كل شيء على الوجه الأمثل، ذلك لأن أمريكا عادت قوية مرة أخرى… فالزعماء الأجانب يعلمون أن الرئيس ترامب هو كبير صانعي الصفقات الذي أعاد لأمريكا هيبتها من خلال سياساته التي تحقق السلام من خلال القوة”.
* معاملة الملوك
بدأت مظاهر الفخامة والأبهة حتى قبل أن تهبط طائرة ترامب في السعودية يوم الثلاثاء في أول محطة من رحلته. ومع اتجاه الطائرة الرئاسية للهبوط في الرياض، ظهرت في الجو طائرات مقاتلة سعودية من طراز إف-15 على مقربة لحراستها. وبعد أن سار الرئيس على سجادة باللون البنفسجي، حفت خيول عربية الطريق إلى الديوان الملكي أثناء مرور موكب سيارات الرئيس الأمريكي.
وقدمت قطر أيضا لطائرة الرئاسة الأمريكية حراسة بطائرة مقاتلة أثناء هبوطها في الدوحة يوم الأربعاء. وبدلا من الاكتفاء بالخيول، أضاف القطريون الإبل إلى هذا المزيج، بالإضافة إلى شاحنات (سايبر تراك) من شركة تسلا التي أصبحت تحظى بشعبية بين بعض مؤيدي ترامب بسبب ارتباطها بالرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، وهو مستشار مقرب من الرئيس. وعلى مقربة من هذا، كان مركب تقليدي شراعه على هيئة العلم الأمريكي يتمايل في المياه.
وفي الديوان الأميري القطري، أبدى ترامب إعجابه بجودة الرخام. ويميل ذوق ترامب نفسه بشدة نحو الحجر الأبيض والورق المذهب، وهي عناصر لها حضور قوي في مقر إقامته في مارالاجو بفلوريدا، كما أنه أضاف هذه التفاصيل إلى البيت الأبيض منذ توليه منصبه.
وكان الأمير في وقت سابق قدم لترامب طائرة فاخرة من طراز بوينج 747-8 لتحل محل طائرة الرئاسة الأمريكية، وهي هدية تثير تساؤلات دستورية ومخاوف أخلاقية حتى من بعض الجمهوريين في حزب ترامب. وكال أمير البلاد المديح الشخصي لترامب أمس الخميس وإن ارتبط هذا الثناء بالدبلوماسية بشكل أكبر.
وقال أمير قطر “نحن متحمسون جدا… أعلم أنك رجل سلام. أعلم أنك تريد إحلال السلام في هذه المنطقة”.
وسارع ترامب، طوال الرحلة، إلى تقديم المديح في المقابل. وقال ترامب عن ولي العهد السعودي “أنا معجب به جدا. إنني معجب به للغاية”. ولم يشر ترامب لدور مزعوم للأمير محمد بن سلمان في إصدار أوامر بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018. ونفى محمد بن سلمان تورطه في القتل، وقررت إدارة الرئيس السابق جو بايدن أنه يتمتع بحصانة من دعوى قضائية مرفوعة في الولايات المتحدة.
وقال ترامب في وقت لاحق من الأسبوع إن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان “رجل رائع”
وعند وصوله إلى أبو ظبي أمس الخميس في آخر محطة من رحلته، قام ترامب بجولة في جامع الشيخ زايد الكبير الضخم كثير الزخارف بصحبة ولي عهد الإمارة. وأبدى ترامب إعجابه بجماله وما وصفه بأنه “حضارة مذهلة”.
وفي قصر الوطن في ذاك المساء، قدم الشيخ محمد بن زايد لترامب هدية أخيرة في رحلته وهي وسام زايد.
والقلادة المصنوعة من الذهب الخالص هي أعلى وسام مدني في البلاد.