Times of Egypt

استدامة النصب والاحتيال (2)

M.Adam
أمينة خيري  

أمينة خيري..


… وما زلنا مع عمليات النصب والاحتيال، وعوامل استدامتها المتوافرة وبكثرة في المجتمع.
أختلف – بعض الشيء – مع المقولة التي باتت شائعة.. بأنه طالما هناك طمّاع، فسيبقى هناك نصّاب. الطمّاعون كثر، ولكن لا يقع جميعهم في شباك النصّابين. التركيبة المطلوبة فيمن يقع في شباك النصب.. لها علاقة بالتنشئة الثقافية والتعليمية والدينية.
نعم، الدينية!
أحد المتابعين لما أكتب، علّق قبل أيام.. مستاءً من كثرة الكتابة والانتقاد والمطالبة بالتغيير، التي أطالب بها.. فيما يختص بالثقافة الدينية المهيمنة. القارئ الفاضل.. يرى أن «في البلد مشكلات كثيرة، أهم بكثير من المسائل المتعلقة بالخطاب الديني، وأن الخطاب الديني كما هو.. عال العال».
وأنا أختلف كثيراً مع الأخ الفاضل؛ فبالإضافة إلى أن الكثيرين سعداء بالخطاب الديني الراهن، وذلك بعد ما «سلّموا نمر» لفكرة احتكار التفكير والتفسير، والتسليم بأن ما يقوله «أحدهم» هو الحق، ولا شيء سوى الحق. سلب الناس حق الاحتكام إلى المنطق، وغرس مبدأ الحفظ والتلقين.. في المدرسة أو حلقات الدرس الديني، مع شيطنة العقل والأسئلة «خارج المنهج»، يعمل على تنشئة أجيال.. تعمل جاهدة على تعطيل عقولها، لأن «أحدهم» قال هكذا. وهذا لا يقتصر على الدين فقط، بل يصبح جزءاً من تركيبة الناس.
أحدهم قال إن هذا ربح وفير وفيه خير كثير، نقول «آمين»، دون تكبّد عناء التفكير؛من يلغي عقله في جزء من تفاصيل حياته، يلغيه في باقي التفاصيل دون أن يدري. ومن لا يراجع رجل الدين – الذي يؤكد أن ضرب الزوجة بالقلم الرصاص حلال، وأن الوسيلة المثلى لمحاربة الفقر هي الرضا والدعاء – لا يراجع من يأتيه حاملاً وعد الثروة الوفيرة والأموال المتلتلة.. التي لا تستند إلى «بقرش» منطق.
البعض يتعجب.. من أن بين ضحايا عمليات النصب والاحتيال – سواء المنصة الرقمية الأخيرة، أو ما سبقها، أو ما سيأتي بعدها – أطباء ومهندسين ومحاسبين وأساتذة جامعات. وأذكّركم بأن قيادات وأعضاء جماعات التأسلم السياسي، والجهادية، والسلفية، من هذه الفئة «الراقية» من خريجي كليات «القمة».
أي عملية نصب تعتمد.. لا على طمع الآخرين فقط، بل على إنكارهم ونبذهم وشيطنتهم للتفكير النقدي والمنطق وإعمال العقل. وهنا يقفز السؤال المتوقع: وماذا عن ضحايا النصب والاحتيال في الدول «الكافرة»..التي تسمح بالتفكير النقدي، والعياذ بالله؟! الأمر يحتاج إلى الاستعانة بالأرقام والنسب المئوية. كم عملية نصب تحدث في كل دولة على حدة؟ وما نسبة الضحايا الذين يقعون في شباكها؟ وما معدل تكرار هذه العمليات؟ ونضيف هنا بالطبع عامل القانون والمراقبة ومنع الجريمة قبل حدوثها، أو على الأقل قبل توسعها.
ويقفز سؤال آخر.. لمنتفض يرى مبالغة في تحميل الخطاب الديني، والتعليم التلقيني. مغبّة مثل هذه الجرائم، فأقول: نعم، أصلحوا التعليم وفكره، وحرّروه من قيوده المتحجرة، وأعيدوا إرساء قيم؛ مثل العمل والاجتهاد، وانشروا الوعي والثقافة المدنية، وطبّقوا القانون، وسيتم نزع الاستدامة عن النصب والاحتيال.


نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة