أمينة خيري
عمليات النصب والاحتيال لن تنضب. والنصابون والمحتالون سيستمرون فى الظهور فى كل عصر وزمان. وضحايا النصب والاحتيال سيستمرون في الوقوع في براثن هؤلاء. الفروق الوحيدة تكمن في سبل النصب وطرق الاحتيال المتجددة، وفي شكل النصاب وهيئة المحتال، وفي أعداد من لديهم الاستعداد للوقوع في هذه الشباك.
لذلك، فإن الحديث عن مهنة النصب والاحتيال هو تضييع للوقت، لكن الحديث عمن يقع ضحية النصب، وكيف يمكن العمل على تقليل أعداد المرشحين لهذا الوقوع، هو استثمار للوقت والجهد والمال.
عمليات «النصب الشعبوي».. متطابقة، مع اختلاف الأدوات. ادفع يا عم مبلغاً زهيداً، اضمن مكسباً كبيراً، في وقت قياسي، وبدون مجهود، وبدون ضرائب أو رسوم، أو دس لأنف الحكومة في مكسبك، فهذا «حلالك بلالك». طيب ما الضامن؟ الضامن الله، ولا تسأل أكثر من ذلك.. حتى لا تقل بركة الربح.
ويجمع بين كل ما سبق ما يدغدغ الخيال الشعبي، ويداعب القلوب المتشوقة إلى حياة الرغد والرفاه، ألا وهو «فلوسك هتجيلك وأنت قاعد مستريح 24 قيراط، أو نايم متكلفت تحت اللحاف، وفوقيهم بوسة».
تصل الدفعة أو الدفعتان أو الثلاث دفعات الأولى من الأرباح، ومعهم البوسة، لأختنا القابعة على كنبة بيتهم، أو أخينا النائم تحت اللحاف.. فيسعد ويطمئن، ويمضي قدماً في تقفي أثر الوهم اللذيذ، والخيال البديع. سيصبح مليونيراً، أو على الأقل سيشتري شقة وعربية وتلفزيون عشروميت بوصة، ويجهز البنات ويضمن مستقبل الولاد، وربما يذهب لعمرة أو حج.. كل ذلك بينما هو مستقر في بيته. و«المستثمرون» الملائكة.. هدية السماء، يكدون ويكدحون من أجل إمداده بأرباح ضعف – أو ضعفي أو ثلاثة أضعاف – المبلغ الذي استثمره.
وفجأة – وكما هو متوقع تماماً بعين المنطق ورؤية العقل – يتبخر المستثمر المعجزة، أو يتم اكتشاف أنه نصاب ومحتال.
كل هذا مفهوم. غير المفهوم، هو أن يندهش المندهشون، ويُصعق المنصعقون، ويُصدم المصدومون وكأن السيناريو المعروف – والمحفوظ من ألفه إلى يائه – باغت الجميع؛ ليس غير مفهوم فقط، لكنه غير مقبول. كما أن هذا الاندهاش يهين عقولنا ويستهين بفكرنا.
الطريف واللطيف، وعلى غرار الحوادث المميتة.. التي تقع نتيجة القيادة الجنونية على الطرق، يتم رفع آثار الحادث، وتعود الحركة المرورية إلى جنونها.. عفواً إلى طبيعتها. في هذا السياق، يتم دفن من مات مقهوراً.. لضياع تحويشة العمر، وتطييب خاطر من فقد عقله، وإقناع مجموعة باللجوء إلى القضاء، والدفع بأخرى للقبول بقضاء الله.
تمر أشهر، وربما أسابيع، ثم يعود المحتال في ثوب جديد – دقن وجلابية، بدلة وشنطة، مقر ومكتب وعنوان، أو شاشة كمبيوتر وعنوان بريدي وتواصل إلكتروني – لا يهم كثيراً الشكل والهيئة، ولا يهم أيضاً استمرار النصب والاحتيال، يهمنا توافر عوامل استدامتهما. وما دامت عوامل استدامة النصب واستمرار الاحتيال متوافرتين.. وبكثافة، فلن تمر أسابيع، إلا ونعيد متابعة وقائع عملية جديدة..
ولحديث الاستدامة بقية.
نقلاً عن «المصري اليوم»