محمد أبو الغار
تلقيت دعوة من السفيرة الأمريكية في القاهرة.. السيدة هيرو مصطفى جارج، وحسب ما هو مكتوب في الدعوة.. عنوان اللقاء «استراتيجي فكري» مع الممثل الخاص للولايات المتحدة لمناهضة العداء للسامية السفيرة ديبورا ليبستاد، وحدد له يوم الخميس 5 ديسمبر 2024، الساعة 9 صباحاً في منزل السفيرة.
منذ عام 2016، الذي انتهت فيه رئاستي للحزب المصري الديمقراطي لفترة واحدة، واعتذرت عن عدم الترشح لفترة ثانية، أنهيت علاقتي بالعمل السياسي الحزبي.. الذي استمر منذ 25 يناير 2011. ومنذ ذلك التاريخ اكتفيت بالتعبير عن رأيي.. في مقالي في «المصري اليوم» وعلى صفحات الفيس بوك. وأعتقد أن سبب دعوتي، هو أنني نشرت كتابين عن اليهود المصريين؛ أحدهما في عام 2006 في دار الهلال، والثاني عام 2021 في دار الشروق.
ذهبت في الميعاد المحدد، وكانت السفيرة واقفة في انتظار المدعوين، واستقبلتني بترحاب. وصل المدعوون تباعاً، وهم: السيدة ماجدة هارون – رئيسة الطائفة اليهودية في مصر – والأستاذ سامي إبراهيم – نجل الراحل ألبير آرييه – والسيدة شاهيناز أحمد – رئيسة منظمة أميديست الأمريكية المهتمة بتحسين جودة التعليم – والسفير الألماني الجديد في مصر.. يورجون شولتز، والسيدة راندا أبوالعزم.. مديرة مكتب قناة العربية في مصر، وحضر خمسة دبلوماسيين أمريكان، بالإضافة إلى شاب مصري.. يعمل في السفارة.
بدأ الاجتماع.. بأن قامت السفيرة بتقديم السفيرة ديبورا، ودعتها لبدء الحديث. فقالت إنها «أصلاً أستاذة في الجامعة.. إلى أن تم استحداث منصب سفيرة أمريكا لمناهضة معاداة السامية، فعُيّنت في المنصب.. بعد موافقة مجلس الشيوخ».
قالت: «إن معاداة السامية موجودة في العالم، وإنه فور تسلمها العمل، حدث تفجير لمعبد يهودي في الأرجنتين. وقالت إن العداء للسامية.. هو تصرف مضاد لحقوق الإنسان، ووجوده يهدد الديمقراطية بشدة. ويهدد أيضاً الأمن القومي للولايات المتحدة.. ولدول أخرى، وهناك قلق دائم من وجود أعداء للسامية.. حتى في عدم وجود يهود في المجتمع، أو وجود أعداد قليلة منهم.. مثل المجتمع المصري». وقالت: «إن العداء ممكن أن يكون ضد السود، أو ضد العرب؛ ولكن العداء ضد اليهود أمر آخر، فهو مستمر وقديم».
وقالت: «إن أحداث غزة.. ممكن أن تزيد من حجم العداء للسامية، وإنه في مصر والمنطقة.. العداء للسامية بدأ قبل حدوث المشكلة الفلسطينية. وإن المشكلة مع إسرائيل.. أمر منفصل عن العداء للسامية، والسياسة في المنطقة، قد تمثل شكلاً من أشكال العداء للسامية».
وتحدثت عن الجنيزة وعن تاريخ اليهود الاجتماعي. وللقارئ العزيز أوضح أن الجنيزة هي أوراق ومستندات (زواج – طلاق – بيع – شراء – معاملات تجارية وغيرها) كتب اليهود عليها «باسم الله».. فمحرم عليهم أن يحرقوها، أو يلقوا بها في القمامة. اليهود الأوروبيون كانوا يدفنون الأوراق، أما اليهود المصريون فكانوا يخزنونها في سحارات أو سندرة في المعابد اليهودية. وأهم جنيزة في العالم، كانت في معبد بن عزرا في مصر القديمة، وقد نُقلت في أول القرن العشرين إلى جامعة كامبردج، وهي تمثل التاريخ الاجتماعي لمصر.. وليس فقط اليهود، وهي وثائق غاية في الأهمية.
في النهاية قالت السفيرة: «إن مهمتها أن تتجول في العالم لتكافح أي معاداة للسامية».
بدأت المناقشة، وطلبت من السيدة راندا أبوالعزم الحديث، فقالت بوضوح وقوة «إن المشكلة سياسية، وليست عداء للسامية»، وذكرت اسم نتنياهو أكثر من مرة، وأن سياسته هي التي تدفع للعداء، وأن ما يحدث في غزة ولبنان.. أمر مرعب. وقالت: «إن الجهل في المنطقة، وعدم قدرة الكثيرين على التعبير عن أنفسهم.. هو أحد أسباب المشكلة». وقالت إنها في أمريكا.. تعرضت للتمييز ضدها؛ لأن اسمها مسلم.. ولكنه تم بطريقة تبدو عشوائية، وليست موجهة.
ثم تدخلت دبلوماسية أمريكية شابة، وطلبت أن أبدأ بالحديث.. لأنني مؤلف لكتابين عن اليهود.
قلت: إن معاداة السامية واضطهاد اليهود.. هي ظاهرة أوروبية، استمرت قروناً، وتم توثيقها في الكتب والمذكرات والمسرحيات، وانتهت بظهور النازية، وأهوال حدثت في الحرب العالمية. وكان الأوروبيون يكرهون اليهود.. فقط لأنهم يهود. وحدث نفس الشيء بدرجة أقل في الولايات المتحدة.. في النصف الأول من القرن العشرين.. بأحداث هامة وموثقة.
أما في مصر، فلم يحدث أي اضطهاد، أو معاملة سيئة لليهود.. عبر قرون وعقود طويلة؛ بل كان اليهود يهربون من أوروبا، ويلجأون إلى مصر.. لأنها آمنة بالنسبة لهم. مشاكل اليهود في مصر، بدأت في نهاية الأربعينيات، وحدثت.. ليس لأنهم يهود، بل بسبب ما حدث للفلسطينيين.. مع إنشاء إسرائيل؛ فالمشكلة في مصر.. ليست مع اليهود، وإنما هي مشكلة سياسية.. مع إسرائيل، وليست مع الدين اليهودي. ومشاعر المصريين.. ليست ضد السامية، وإنما ضد ما تفعله إسرائيل في فلسطين؛ وهو غضب سياسي. ويوم يتوقف الاعتداء على الفلسطينيين، ويتم حل المشكلة الفلسطينية بشكل مُرضٍ.. سوف يتوقف هذا العداء. ما يحدث في غزة الآن.. من إبادة جماعية للفلسطينيين، يثير غضب المصريين، بل يثير غضب مئات الآلاف في العالم كله.. ضد إسرائيل؛ وهذا ليس عداءً للسامية، وإنما هو غضب سياسي عالمي.
ثم تحدث السفير الألماني فقال: «إن ألمانيا عندها ثوابت، وهي بقاء دولة إسرائيل، ومحاربة أي عداء للسامية، ولكنهم متعاطفون مع المدنيين والأطفال الفلسطينيين»، وأثنى على موقف الحكومة المصرية المعتدل.. تجاه هذه القضية. وعلقت المتحدثة الأمريكية بأن «المظاهرات التي تقوم لمساندة الفلسطينيين ،حدث فيها بعض المعاداة للسامية.. مثل الهجوم على أماكن يهودية، أو بعض الشعارات»، وقلت لها إن «ذلك لو حدث.. فهو استثنائي وبسيط، ولكن التظاهرات أساساً.. ضد سياسة إسرائيل، ومناصرة للفلسطينيين».
ثم طُلب من ماجدة هارون الحديث، فأيدت ما قلته.. بأن اليهود لم يلاقوا أي مشاكل قبل قيام إسرائيل، وأن والدها تم اعتقاله مع الرجال اليهود مؤقتاً.. أثناء حرب 1956، بسبب سياسي.. وهو الحرب مع إسرائيل، وأن السياح اليهود، وجميع اليهود.. كانوا في أمان في مصر، ولكن أحداث غزة.. أدت إلى غضب، أدى إلى الاعتداء على ثلاثة يهود. وقالت إنها عاشت طوال عمرها.. تشعر بالأمان في مصر، ولكنها الآن خائفة، وإن حل المشكلة الفلسطينية.. سوف يعيد الأمان لها.
قالت المتحدثة الأمريكية: «إن هذا ربما يأخذ وقتاً طويلاً»، فتداخلت أنا قائلاً إن «دول الغرب لا تفعل شيئاً.. لإنهاء المشكلة، وإنما تتركها تتفاقم، وإنه حتى الكاتب الأمريكي اليهودي السياسي الشهير توماس فريدمان – يكتب في النيويورك تايمز – ويقول ما قلته.. أن إحلال السلام هو بإعطاء الفلسطينيين حلاً معقولاً يرضيهم». ولم يعلق أحد على ذلك.
ثم تحدثت شاهيناز أحمد قائلة: «إن التعليم هو الذي سوف يحل جزءاً كبيراً من المشكلة، وإن الجهل يعقّد الأمور». وتحدث الأستاذ سامي إبراهيم.. شارحاً وضع الفلسطينيين النازحين من غزة إلى مصر، وظروفهم الصعبة.. ومنهم أعداد كبيرة من الأطفال، وأن وضعهم في مصر صعب، ويتوقون للعودة إلى ديارهم.. بانتهاء الحرب.
وفي النهاية تحدث سكوت سانفورد – نائب القنصل للشؤون السياسية – في كلمة قصيرة عن أهمية حل مشكلة معاداة السامية.
السفيرة الأمريكية – صاحبة الدعوة – لم تتحدث، فقط قدمت المتحدثة الأمريكية، وكان الاجتماع ودياً وهادئاً، بالرغم من الآراء المتعارضة الواضحة.
موقف المصريين جميعاً – بمن فيهم رئيسة الجالية اليهودية – أن المشكلة سياسية.. بسبب موقف إسرائيل المتعنت تجاه الفلسطينيين، وأن الحل العادل للقضية الفلسطينية.. سوف يتبعه فوراً حل لجميع المشاكل، التي حضرت من أجلها السفيرة ليبستاد.
قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك.
نقلاً عن «المصري اليوم»