Times of Egypt

إيران والاتحاد المقدس «2-2»

M.Adam
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد
تجدَّد الاستقطاب الداخلي في إيران.. عقب انتهاء حرب الاثني عشر يوماً، وهو الاستقطاب الذي تمحور
حول سقف الإصلاح الداخلي والخارجي المطلوب من النظام. ومن المؤكد أن هناك أيادٍ خارجية تساعد
في تأجيج الخلاف بهدف إسقاط النظام، وهذه معلومة قديمة.. حتى قبل أن يتبيّن لنا حجم الاختراق الأمني
الذي يعانيه النظام الإيراني في أثناء الحرب.
ففي خطبة عيد الفطر – في شهر مارس الماضي – حذّر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على أكبر
خامنئي من المحاولات الأمريكية-الإسرائيلية لتأليب الداخل الإيراني بهدف إسقاط النظام، ثم عاد بشكل
أوضح قبل بضعة أيام، ليتحدث عن مؤامرة دبّرها عملاء الولايات المتحدة وإسرائيل، وجرى بحثها على
أرض أوروبية في اليوم التالي مباشرةً للعدوان على إيران.. بهدف تجهيز البديل، وكأن خامنئي لديه
معلومات واضحة بهذا الشأن، وانتهى للمطالبة بضرورة «الاتحاد المقدس» أي المحافظة على الوحدة
الوطنية بين الإيرانيين.
لكن من المؤكد أيضاً، أن هذا الاستقطاب له أسبابه الداخلية المتجذرة، وأنه استقطاب ملازم للثورة
الإيرانية، من بدايتها، لكنه تفاقم مع تطورها لسببين؛ السبب الأول: هو أنه كلما بعدت المسافة الزمنية عن
تاريخ اندلاع الثورة أصبحت لدينا أجيال أحدث فأحدث؛ لا هي عانت ظلم الشاه الأسبق، ولا هي شاركت
في الثورة عليه،. وهذه الأجيال الجديدة لا تفهم معنى تقييد حقها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي..
لحماية الداخل من الخارج، ولا تنصاع لفرض زيّ معين على النساء باسم الحفاظ على قيم الثورة، ولا
تتقبل حصر السلطة في يد نخبة/عائلات محدودة العدد تقديراً لتاريخها الثوري المجيد.
والسبب الثاني: هو شعور قطاع واسع من الإيرانيين بأن الدائرة حول دولتهم تضيق أكثر فأكثر، ويكفي
أن نتأمل المواقف الدولية.. أثناء العدوان الإسرائيلي على إيران، وكيف تراوحت هذه المواقف.. بين
التجاهل الأوروبي لانتهاك إسرائيل السافر لقواعد القانون الدولي، وبين الرفض الدبلوماسي والإعلامي
الروسي-الصيني لعدوان إسرائيل.. دون اتخاذ مواقف عملية مؤثرة.
فإذا ما انتقلنا لمطالب الإصلاحيين من النظام الإيراني، وجدنا أن بيان جبهة الإصلاح – الذي جرى
الإعلان عنه في نهاية شهر أغسطس الماضي – حدد سقف الإصلاح الذي يسعى إليه من خلال أحد عشر

بنداً؛ يمكن بلورة أبرز معالمها على المستوى الداخلي كما يلي: رفع القيود عن المعارضين السياسيين
والإفراج عن المعتقلين منهم، وبناء خطاب السلطة الحاكمة على الأساس التنموي العمراني.. وليس على
الأساس الأيديولوجي، وممارسة الحكومة كامل صلاحياتها، وحل المؤسسات الموازية لإنهاء الازدواجية
التي تميز عملية صنع القرار، وعودة الجيش الإيراني إلى ثكناته، وتعديل القوانين الخاصة بالمرأة،
وإطلاق حرية الصحافة والإعلام.
وعلى المستوى الخارجي، كانت أهم البنود التي اشتمل عليها بيان جبهة الإصلاح: تأكيد أهمية القوة
الناعمة (وفي إطارها الأدوات الدبلوماسية).. من أجل حل المشاكل المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني،
والتكامل الإقليمي والتعاون مع دول المنطقة.. وبشكل خاص مع الجوار الخليجي لإيران. وكما نرى فإن
هذا البيان تضمن المطالبة بإصلاحات في الخطاب والقانون والمؤسسات والسياسات والعلاقات جميعاً،
بحيث أن الاستجابة لها ولو بالتدريج لابد أن تفضي في آخر المطاف إلى تعديل الدستور؛ إذ كيف يمكن
لنا أن نتصور أن يتم إلغاء المؤسسات الموازية كالحرس الثوري، دون إجراء تغيير جذري في الدستور..
الذي يجعل الحرس جزءاً لا يتجزأ من القوات المسلحة؟
أو كيف يمكن لأحد أن يدعو إلى التحول بالخطاب السياسي الرسمي.. من الأيديولوجية إلى البراغماتية،
دون إعادة النظر في الشرعية العقائدية للنظام.. كما حددها الدستور، وفي أهداف سياسته الخارجية.. كما
تم النص عليها؛ ومنها هدف نصرة المستضعفين ضد المستكبرين في كل العالم؟ لكن على الرغم من ذلك،
اعتبر فريق آخر من الإصلاحيين أن هذا البيان غير كاف إطلاقاً، وأن هدفه تبييض وجه النظام وإنقاذه
من ورطته الداخلية.. ليس إلا، وبالتالي اتجه مباشرةً إلى المطالبة بإجراء استفتاء وطني، ينتهي بتشكيل
مجلس تأسيسي.. يعمل على وضع دستور جديد، وينهي وجود نظام «فاقد للتمثيل الشعبي». وكان مير
حسين موسوي – آخر رؤساء وزراء إيران بعد الثورة الإسلامية، والمرشح الرئاسي أمام محمود أحمدي
نجاد في عام 2009، ومؤسس الحركة الخضراء المعارضة – من أبرز الذين ذهبوا لترجيح تنظيم استفتاء
لتعديل الدستور.
في مواجهة ما سبق، فإنه بوسع النظام الإيراني أن يصمّ أذنيه عن دعاوى الإصلاح، ويرمي أصحابها
بالعمالة للخارج، أو يفسر أنصاره النصوص الدينية على هواهم.. لترويع خصومهم؛ كما فعل أحدهم
بادعائه أن القرآن يعتبر أن القائلين بتجميد تخصيب اليورانيوم.. هم أتباع لأمريكا وإسرائيل. لكن المشكلة
هي أنه ليس بوسع النظام أن يواصل تجاهل المطالب الإصلاحية فترة طويلة، ليس فقط لأن التهديدات
الخارجية في تصاعد، وهو يحتاج في مواجهتها إلى جبهة داخلية قوية ومتماسكة.. كما حدث في يونيو

الماضي، لكن لأن الانفجار الشعبي قد يحدث فجأةً، وفي دولة كإيران.. متعددة القوميات والأديان
والطوائف الممتدة خارج حدودها، فإنه لا يمكن التنبؤ بنتائج هذا الانفجار.
وبالتالي، فإن من المهم بالنسبة للنظام الإيراني.. أن يجيب على مجموعة من التساؤلات التي قد تساعده
في عملية تحديد أولوياته.. هذا إن أراد الأخذ بزمام المبادرة وتجنب أن تتجاوزه الأحداث. ومن هذه
الأسئلة: كيف يمكن للنظام الإيراني الإقدام على الإصلاح الداخلي، وفي الوقت نفسه تفادي مصير الاتحاد
السوفيتي بعد إصلاحات غورباتشوف؟ وكيف يمكن التمسك بالخيار الدبلوماسي.. في ظل التصعيد
الغربي المتواصل، وضمان ألا يؤدي التنازل لمزيد من التنازل؟ وما هي حدود قوة التيار الإصلاحي
المعتدل والراديكالي، حتى يمكن للنظام الإيراني أن يعرف مدى صلابة الأرض التي يقف عليها، ويحدد
ما يمكنه الاستجابة له من المطالب وما يؤجله وما يرفضه؟..وما مدى صوابية الرهان على جيل جديد من
القادة العسكريين، الذين خلفوا قادة الصفين الأول والثاني في الحرس الثوري والجيش؟
وإذا كان البعض من الأسئلة السابقة.. يحتاج النظام إلى أن يناقشه في نطاق نخبوي ضيق جداً – بالنظر
لحساسيته الشديدة – فإن بعضها الآخر يحتاج إلى مناقشته على نطاق أوسع.. مناقشةً تتسم بالشفافية
والوضوح. والأهم هو أن تواكب المناقشة في الحالتين إرادة سياسية حقيقية، تهدف إلى الإصلاح الفعلي..
كي تقطع إيران الطريق على خصومها، وتصنع خيارات المستقبل بنفسها.
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة