Times of Egypt

إلى المجلس الأعلى للجامعات عن قضية د. عبدالناصر هلال 

M.Adam
عمار علي حسن

عمار علي حسن  

اطلعت على رد الأستاذ الدكتور سيد قنديل رئيس جامعة حلوان، على الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، حول قضية الدكتور عبدالناصر هلال الأستاذ بكلية الآداب في الجامعة نفسها، فوجدته يبرئ ساحته مما جرى.. متكئاً على حكم قضائي، عليه أن ينفذه حسبما ينص القانون، ولا ألومه في هذا.  

لكنه ليس حلاً لمشكلة، ولا مقاربة لمسألة تخص مستقبل أستاذ.. أفنى أطيب سنوات عمره في التدريس لطلابه في مرحلة الليسانس، وناقش رسائل علمية لطلاب الدراسات العليا، وأعمل قلمه فأرفد المكتبة العربية بكتب لافتة.. في النقد الأدبي، وأقام صالوناً ثقافياً استضاف فيه كباراً من المثقفين العرب، وأصدر دواوين شعر تنم عن بديع خياله وعميق قريحته. 

لم يكن اللجوء إلى التقاضي – أخذاً ورداً – في هذه المسألة.. هو الحل من البداية، لكن الأمور جرت على هذا النحو، وكأننا في سباق إجرائي بحت، حتى تعقدت، ولم يعد هناك مخرج منها سوى عين المجلس الأعلى للجامعات ويده، وقبلهما رؤوس الأعضاء الموقرين فيه.. من الأساتذة – الذين أعتقد أن ميلهم، بمن فيهم الدكتور سيد قنديل، سيكون إلى مصلحة الجامعة، التي لا يجب أن تخسر أستاذاً متمكناً – لا سيما أن عميد كليته يتمسك به، ويساعد على قدر الاستطاعة.. في سبيل تفادي هذه الخسارة، وهو بها أعلم. 

ذكَّرني كل هذا بموقف للدكتور طه حسين – وهو من هو – حين أبلغوه بأن القانون لا يسمح لتلميذه الناقد الفذ (فيما بعد) الدكتور محمد مندور بدراسة الآداب، بعد التحاقه بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، فما كان من عميد الأدب العربي.. إلا أن قال في صرامة وحسم: «القانون الذي يحرم مندور من دراسة علم يريده، وسيحقق فيه نبوغاً أُدركه، هو قانون خاطئ، ولابد من تغييره»، وكان للعميد ما أراد، فدرس مندور الأدب، فلم تُحرَم مصر والعرب من قلم بديع مقتدر، لا تزال كتبه تفيد جيلنا، وأجيالاً بعدنا، والجميع أدرك هنا.. أن طه حسين كان على حق، وأن القوانين.. كما لها نص مقيد، فلها روح محلقة. 

الدكتور عبدالناصر هلال.. ليس شخصاً عابراً في مسار تدريس النقد الأدبي، في واحدة من أهم جامعاتنا؛ فهو شاعر قرأنا دواوينه، ومثقف منخرط في حياتنا العامة، بقدر ما يسعفه وقته، وهو رجل.. عرف آخرون خارج مصر قدره، واستأمنوه على التدريس لأبنائهم، والمشاركة في فعالياتهم الثقافية، والأجدر بنا نحن في مصر – إن لم نزد عليهم – فلا نقل عنهم.. في هذا الفعل الحميد، الذي يروم المصلحة العامة، وهي ما لا يجب ألا تغيب عن أسماع أعضاء المجلس الأعلى للجامعات وعيونهم. 

لقد تابعت – على مدار الأسبوعين المنصرمين، وما يزيد عنهما – قدر التضامن مع الدكتور عبدالناصر على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك، وهو الأكثر أهمية في مصر، فوجدت كثيراً من المثقفين.. شعراء وروائيين وكُتاب قصص، ونقاداً وأساتذة جامعات وشخصيات عامة.. يعددون محاسنه، ويتحدثون عنه بتقدير؛ سواء حول شعره أو إسهامه النقدي، أو تجربته في التدريس والتثقيف، أو حتى كونه مواطناً مصرياً.. له عند الدولة والمجتمع – ممثلاً في إحدى جامعاتها – مظلمة أو حتى حاجة، هي ضرورية، ولا ريب في ذلك. 

كل هؤلاء أبدوا أسفاً لما يجري له، وأظهروا إرادة في الوقوف إلى جانبه، حتى تقال عثرته، وعلقوا آمالاً عريضة.. في أعناق من بيدهم القرار، أن يتخذوا ما يُنهي المشكلة على نحو مُرضٍ، هو – في رأيهم – توقف التقاضي عند هذا الحد، وتقديم مصلحة كلية الآداب بجامعة حلوان، على أي شيء آخر.. مهما كانت مبرراته. 

لقد تواصل معي أساتذة منهم، وبعضهم لامني على عبارة وردت في مقالي السابق.. تقول: «لا يُستساغ أن يُزج بالدكتور عبدالناصر – وهو في الستين من عمره – إلى الشارع، بلا دخل يضمن له ولأسرته الكريمة معيشة لائقة»، وأوضحت لهم أنها عبارة وردت في مذكرة الرجل.. إلى رئيس جامعة حلوان، والله أعلم بظروف عباده، وصاحب هذه السطور يقف على بعض هذه الظروف. 

ذكَّرتهم بأن عبارة «الطرد إلى الشارع».. وردت في تعبير سابقين من أعلام الثقافة المصرية، عن واقعة طردهم من جامعة القاهرة – لأسباب سياسية – مثل لويس عوض، ومحمود أمين العالم، بل إن طه حسين نفسه.. تحدَّث عن أمر يشبه هذا، حين تم إبعاده عن كلية الآداب، قبل أن ينقذه – وهو الذي كان يمر بضائقة مالية في ذلك الوقت – أحمد نجيب الهلالي باشا، ويعينه مستشاراً لوزارة المعارف، وقبل أن يلتف حوله الناس، ويتضامنوا معه، حتى قال له أحدهم: «أبعدوك عن عمادة كلية الآداب، واخترناك عميداً للأدب العربي». وكان هذا هو السبب والظرف الذي حصل فيه طه حسين على هذا اللقب.. الذي يسبق اسمه إلى أيامنا هذه، وسيظل في قادم السنين. 

أتعشم – ومثلي كثيرون – في أن الأستاذ الدكتور سيد قنديل.. سيعيد النظر في الأمر، ليس بوصفه هذه المرة الإداري الكبير على رأس واحدة من أعرق جامعاتنا، لكنه الرجل الذي درس الفنون الجميلة، حتى أصبح عميداً سابقاً لكليتها، ويستطيع مقاربة القضية من زاوية مختلفة، تتعامل مع د. عبدالناصر.. على أنه شاعر – أي فنان أيضاً – قبل أن يكون أكاديمياً وناقداً، ويتعامل مع القضية برمتها.. على أنها عقبة إدارية يمكن عبورها، وليست مسألة سياسية.. يُنظر إليها بتحسب الآن. 

وأظن أن الدكتور أيمن عاشور – وزير التعليم العالي والبحث العلمي – سيقارب المسألة أيضاً.. من زاوية «الراعي المسؤول عن رعيته»، و«الأخ الذي لا يفعل بإخوته.. إلا ما هو خير»، والإداري الكبير.. الذي «يضع مصالح الجامعات نصب عينيه». وأعوِّل عليه – بوصفه رئيس المجلس الأعلى للجامعات – أن يطرح قضية الدكتور عبدالناصر.. في الاجتماع القادم للمجلس، ليس طرح من يستوفي الإجراءات، إنما من يروم إقالة العثرات، ورفع المظالم، وإنهاء المشكلات على نحو سديد. 

أقول هذا، وأنا أعرف تقدير الدكتور عبدالناصر للرجلين، وتعويله على بقية رجال المجلس.. في أن يميلوا إلى المسار الذي ينتظره الكثير من المثقفين المصريين والعرب، الذين أعلنوا تضامنهم الواضح مع صاحب المشكلة، ورفعوا أكفَّ الضراعة إلى الله.. أن يُلهم أصحاب القرار ما يُنهي هذا الأمر برمته.. على وجه أفضل ليس فيه سوى الخير للجميع. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة