Times of Egypt

إلى أين تقود إسرائيل المنطقة والعالم؟

M.Adam

السفير محمد بدر الدين زايد 

الفصل الجديد في حروب إسرائيل ضد دول المنطقة.. الذي تحوَّل إلى حرب متبادلة مع إيران، لابد أن يثير تساؤلات ضرورية وعديدة. إسرائيل في حالة حرب وقتل متواصلين.. منذ 8 أكتوبر 2023، وتتحدث بعنجهية كبيرة حول القضاء وإزالة النظام الإيراني الحالي، مثلما تحدثت عن القضاء على حماس وحزب الله والحوثيين من قبل، ولم تتوان عن تنفيذ ضربات موجعة للجيش السوري وبنيته التحتية.. بعد سقوط نظام بشار الأسد، رغم كل إشارات النظام الجديد المواتية لإسرائيل.

وربما تكون هناك ملاحظات – بشأن كثير من خصوم إسرائيل الذين سبق ذكرهم – لدى الكثيرين في العالم، ولكن القضية – في الحقيقة – أكبر من هذا، فهى تمتد لعدة أفكار محورية؛ أولاها.. تصفية القضية الفلسطينية، وإزالة أي قوى تريد – أو تدَّعي – التمسك بهذه القضية.. سواء كان ذلك عن صدق أو لتوظيفها لمصالح خاصة. وهى تريد ترسيخ فكرة أساسية في العقل الصهيوني، وهى أن العالم لا يفهم إلا لغة القوة. ويرتبط بخلفية هذا مجموعة سرديات.. حول فكرة شعب الله المختار، وفكرة عنصرية تبرر حرمان الآخر من أي حقوق، وحتى من الحياة.. إذا لزم الأمر.

ومن هنا لم يتورَّع نتنياهو – في مراحل من حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة – من التلويح بخرائط جديدة تشمل أجزاءً من السعودية والأردن ومصر ومن سوريا.. ضمن إسرائيل.

نحن إزاء مشروع معروف منذ نشأة إسرائيل، ولكنه اليوم يطرح بمنطق الإمبراطورية التوسعية.. التي التهمت أراضي في الماضي، وستلتهم أراضي في القريب العاجل.. وفق هذا المخطط. وعندما تنتهى من استيعاب هذه الأراضي، ستنتقل لاحتلال أراضٍ أخرى من هذه الخريطة التي أعلنتها، التي تحتاج شروط تنفيذها الآن.. إلى تصفية كل الخصوم، ووضع المجتمع الإسرائيلي في حالة حرب دائمة.. لانتزاع ما تبقى من إنسانيته؛ بما يُكمل هذا المشروع الذي يرفعه رئيس الوزراء وحلفاؤه من اليمين.

وإذا كنا غير متفاجئين أمام مشروع بهذه الخطورة.. يفصح عن نفسه اليوم بشكل غير مسبوق، ومتجاوز كل الحدود – ولابد أن يصل بالعقل الجمعي الإسرائيلي لمسارات لا رجعة فيها، وستكون له آثاره المجتمعية والنفسية والاقتصادية وليس فقط السياسية – فإن العقل العربي مطالب برؤية متكاملة.. ترتقي لمواجهة هذا التحدي الخطير الذي ترعاه الدولة الأمريكية.

ونقطة البدء الضرورية؛ هي تجاوز كل الخطاب العربي القديم، وتعلم الدروس من إخفاق فكرة معسكر المقاومة.. في مقابل معسكر التنازل، الذي لم يحقق إلا تعميق مخاوف الكثيرين من العرب، وسبَّب الانقسام العربي، والشكوك بين العرب. وإدراك أن الوصول إلى رؤية عربية.. قادرة على مواجهة هذا التحدي، يقتضي تجاوز خطاب التشكيك والتخوين.. الذي عمق الإخفاق. ولنترك الأمر للتاريخ، والتركيز على صياغة مواقف مشتركة.. من خلال الحوار والتفاهم.

والمشكلة أن هذا الخطاب لا يزال يتكرر؛ ولنتذكر مسيرة الصمود – التي كانت تريد أن تنتقل من شمال أفريقيا إلى رفح – وكيف أحدثت وتحدث بلبلة ومفاهيم مغلوطة.. سبق تكرارها في حروب غزة السابقة، وكانت تسبب إضراراً بالقضية وإساءة لمصر، فقد بدا أن هذه الأطراف غير مدركة – أو متجاهلة –  الموقف المصري الحقيقي في هذه القضية، وأنه العمود الرئيس الذي استند إليه الشعب الفلسطيني في الماضي والحاضر.. بعبارة واضحة، تجاوز خطاب التخوين والمزايدة، والتنبه لخطورة الموقف.

ويسير – جنباً إلى جنب – مع جهود الحوار، وتوعية كل العالم بطبيعة هذه السياسة، والخطاب الإسرائيلي.. الاستفادة والبناء على الصورة السلبية الإسرائيلية المتنامية في العالم. ويجب أن يتم حشد متواصل في العالم.. لمزيد من العزلة الإسرائيلية، وتنبيه العالم لهذا الخطاب الإمبراطوري العدواني التوسعي، وفضحه بشكل مستمر. وربما لن نجد حالة يقظة مشابهة للمشهد الحالي – في كثير من الدول الغربية – تجاه القضية الفلسطينية، وهي المسألة التي تحتاج لجهود ومتابعة.. لا تتوقف.

كما يجب إعطاء الكثير من الاهتمام بموقف دول.. كتركيا وباكستان، وطبيعة مفردات خطابها السياسي الراهن، وكيف تدرك العدوان الإسرائيلي ضد إيران، وأن يتم الاستفادة من هذا الزخم.. دون السقوط في فخ استقطاب ديني، تسعى إليه إسرائيل سعياً حثيثاً. ويجب الحذر منه وترشيده.. في اتجاه التحذير من أخطار وجود قوة إقليمية عدوانية، تسعى لفرض هيمنتها على الجميع.

ثم تبقى القضية الرئيسة، التي تُمكِّن من التعامل القوي والفعال.. ضد هذا المشروع التوسعي، وهي أن تصبح أولوية كل دول المنطقة.. بناء مجتمعات سليمة صحية وقوية، وبناء الذات بشكل جاد، دون إغفال أي عنصر من عناصر القوة المادية والمعنوية؛ مجتمعات تسعى لتحسين وضعها الاقتصادي، وتحقيق اكتفاء ذاتي قدر الممكن؛ خاصة في غذائها ومصالحها الحيوية، وتقليص الفقر، والمعاناة الاجتماعية، والصحية.

كما يجب أن يكون في مقدمة الأولويات.. الاهتمام الشديد بالتعليم والعلم، ودونه ستظل مجتمعاتنا ضعيفة؛ نحتاج إلى مواطنين متعلمين، وعلماء يقودون النهضة في كافة المجالات، ويجب أن يتمتع هؤلاء المواطنون بالكرامة.. اللازمة لمنع تسرب العقول والكفاءات، مجتمعات توفر لأبنائها الشعور العميق بالانتماء، لأن هذا الشعور ضروري.. عندما تواجه هذه المجتمعات تحديات وجودية.. كما نراها الآن.

نقلاً عن «المصري اليوم«

شارك هذه المقالة