عبدالله عبدالسلام..
هناك صحفيون مصريون.. منبهرون بالتجربة الهندية في الصحافة والإعلام. بالنسبة لهم، دراسة هذه التجربة – التي يقولون إنها استطاعت التعامل مع تراجع الصحف والإعلام، في عصر السوشيال ميديا – يمكن أن تساعدنا في مواجهة الأزمة. لا أنكر أن هناك نماذج جيدة في الإعلام الهندي.. يمكن الاستفادة منها؛ خاصة المواقع الإخبارية، إلا أن الصورة ليست كاملة الأوصاف.
يكفي إلقاء نظرة سريعة على كيفية تعامل هذا الإعلام.. مع المعارك القصيرة – التي دارت بين الجيشين الهندي والباكستاني قبل 10 أيام، على خلفية هجمات إرهابية تعرَّض لها السياح في القسم الهندي من كشمير – لكي تغير وجهة نظر بعضنا، أو تقلل من درجة انبهارهم.
ففي 7 مايو الحالي، شنت الهند ضربات جوية على مدن باكستانية، وكذلك على الجزء الباكستاني من كشمير.. رداً على الهجوم الإرهابي.
فكيف تعامل الإعلام الهندي، خاصة القنوات التليفزيونية مع ذلك؟
«البحرية الهندية هاجمت ميناء كراتشي الباكستاني». «إشعال النار في المدينة. ومحوها تماماً من الوجود». «رئيس وزراء باكستان هرب إلى ملجأ». «قائد الجيش تمت الإطاحة به».
هكذا كانت «انفرادات» نشرات الأخبار الهندية.. للدرجة التي اعتقد معها المشاهدون، أن بلادهم على بُعد خطوات من تدمير باكستان بالكامل. ثم استيقظ الإعلام والجمهور على الحقيقة، عندما أعلن الرئيس ترامب في 10 مايو الحالي.. عن وقف إطلاق النار. ثبت أن كل تلك الانفرادات كاذبة. بل إن تقارير دولية تحدثت عن العكس؛ أي إسقاط طائرات وصواريخ هندية.. بأسلحة صينية تمتلكها باكستان. كانت هناك صدمة وخيبة أمل.. بين المواطنين الهنود. الجماهير، التي شعرت بالخديعة.. اعتدت على مسؤولين، واتهمتهم ببيع الوطن. الناقدة الإعلامية الهندية مانيشا باندي.. قالت (عن إعلام بلادها) لمجلة الإيكونومست البريطانية: «إذا كنتِ تدَّعين أنك قناة وطنية، فعلى الأقل يجب أن تخدمي المصلحة الوطنية».
الحاصل أنه في الوقت الذي كان المسؤولون في وزارتي الدفاع والخارجية يؤكدون أن الهجمات لا تحمل الطابع التصعيدي، فإن الإعلام الهندي اخترع خرافات وحوَّلها إلى حقائق.
تحولت الوطنية المفرطة.. إلى حالة من الجنون، ونفخ في «النعرات» القومية، والدعايات العنصرية ضد الأعداء. لقد تفوَّق الإعلام – المفترض أن يكون عقلانياً منضبطاً – على منصات السوشيال ميديا.. في الكذب والفبركة والتلفيق والإثارة. تغطية الإعلام الهندي للمعارك الأخيرة، لم تكن أمراً استثنائياً، بل استمراراً لحالة من الانحدار إلى التفاهة؛ كما وصفتها «الإيكونومست». تحوَّل التليفزيون.. منذ وصول حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي المتطرف – بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي للحكم عام 2014 – إلى بوق دعائية؛ ازدراء المعارضة والاستخفاف بالأقليات وإهانة الضيوف.. الذين يتجرأون على نقد الحكومة، أضحت ممارسات يومية.. في بلد ظل يتمتع – منذ الاستقلال عام 1947 – بصحافة وإعلام حر.. بالقياس إلى دول العالم الثالث.
تسبب الإعلام الهندي – بأسلوبه التحريضي – في كارثة للحكومة وللوطن.
إذا فقد القائمون على الإعلام صفة العقلانية، ولم يقيموا للحقيقة وزناً، فإن الخاسر هو الوطن الذي يدافعون عنه.
ما حدث في الهند قبل أيام، صورة مصغرة لما جرى عندنا خلال حرب يونيو 1967. إعلام الهند بالصورة الحالية.. لا يصلح أن يكون نموذجاً، ولا يصح الانبهار به.
نقلاً عن «المصري اليوم»