عماد الدين حسين
هل يمكن تصوُّر وتخيُّل حال المنطقة العربية والشرق الأوسط.. إذا حسمت إسرائيل معركتها مع إيران لصالحها؛ خصوصاً بعد أن دخلت أمريكا المعركة رسمياً، وقصفت المنشآت النووية الإيرانية فجر أمس الأول الأحد؟
في تصوري، أن الأمر لا يحتاج إلى خيال وفهم وقدرة عبقرية.. على التحليل والتنبؤ لكي نجيب عن هذا السؤال. والسبب – ببساطة – أن الإسرائيليين أنفسهم يجيبون كل يوم عن هذا السؤال الجوهري. لن أعود إلى التاريخ، أو نبوءات الأديان، ودولة إسرائيل من النيل للفرات، ولن أتحدث عما قاله شيمون بيريز – رئيس وزراء إسرائيل الأسبق – المصنف بأنه «معتدل ومن أنصار السلام» عام 1995، بأن ساعة قيادة إسرائيل للمنطقة قد حانت، بعد أن جرب العرب القيادة المصرية لعقود. ولن أعود إلى مقولات ديفيد بن جوريون أو ليفي أشكول، أو موسى شاريت أو جولدا مائير أو أرئيل شارون أو إسحاق شامير، ولكن سوف أعتمد فقط على ما يقوله بنيامين نتنياهو – رئيس وزراء إسرائيل الحالي، وأطول رئيس وزراء منذ زرع إسرائيل في المنطقة عام 1948 – إضافة لكبار المسؤولين.
نتنياهو – وبعد دقائق من إعلان اغتيال حسن نصر اللّٰه زعيم حزب اللّٰه اللبناني في 27 سبتمبر من العام الماضي – قال بوضوح: «سوف نبدأ من الآن في إعادة رسم خريطة المنطقة». وقبلها وبعدها.. كرر أن يد إسرائيل قادرة على الوصول لأي مكان في المنطقة، وكان يقولها بكل صلف وغرور وتحدٍّ.. حتى يسمعها الجميع.
الأمر لم يبدأ في 7 أكتوبر2023 مع «طوفان الأقصى» – كما يعتقد البعض – فأحد كبار المتطرفين الصهاينة، وهو بتسلئيل سموتريتش – وزير المالية الحالي ورئيس حزب الصهيونية الدينية المتطرف، وأحد أكبر داعمي نتنياهو – نشر دراسة في عام 2017.. سماها «خطة الحسم»، قال فيها: إنه ليس أمام الفلسطينيين إلا ثلاثة خيارات؛ الأول: أن يقبلوا العيش كمواطنين درجة ثانية في إسرائيل الكبرى من النهر للبحر. والثاني: أن يرحلوا خارجها. والثالث: أن يتم قتل من يرفض ذلك.
منذ بدأت المجزرة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً.. في غزة، لم يتوقف نتنياهو عن استخدام نصوص متطرفة من التوراة، تدعو لقتل العرب وإبادتهم. ورأينا وزير التراث المتطرف إميحاي إلياهو.. يدعو لاستخدام القنبلة الذرية لمحو سكان غزة الفلسطينيين. ثم بدأ نتنياهو يتحدث عن حق إسرائيل في قيادة المنطقة، وإقامة إسرائيل الكبرى. ولمن نسي، فإن الخرائط المغرم بعرضها في المحافل الدولية.. تخلو من فلسطين، وتتضمن أراضي من دول عربية مجاورة وبعيدة.
قد يقول البعض إن كل ما سبق مجرد «هرتلة دينية».. موجودة في كل الأديان، وهدفها استمرار اليمين المتطرف في الحكم في مواجهة ما تبقى من التيار العلماني الإسرائيلي. لكن الرد بسيط، وهو أن التيار المتطرف.. يكاد يسيطر على المشهد السياسي في إسرائيل، وهو عملياً الحاكم الفعلي منذ عام 1996.. باستثناء سنوات قليلة جداً، وبالتالي فإن المجتمع بأكمله صار متطرفاً.
المؤكد أن العديد من الدول العربية لديها خلافات جوهرية مع إيران، والأخيرة أضرت بالأمن القومي العربي ضرراً بالغاً.. منذ عقود طويلة، وليس فقط منذ ثورتها عام 1979، لكن ذلك لا يعني بأي حال تمني انكسارها وهزيمتها أمام إسرائيل، لأن حدوث ذلك، سيعني أن إسرائيل ستصبح الحاكم الآمر والناهي في المنطقة بأكملها، وسيعني أننا دخلنا بالفعل «العصر الإسرائيلي» في أسوأ صوره.
إذا انتصرت إسرائيل، فإن غالبية المنطقة – خصوصاً في المشرق العربي – سوف تكون تحت الهيمنة الإسرائيلية.. بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ووقتها فلن نستبعد أن أي خيار تلجأ إليه إسرائيل.. وبدعم أمريكي غربي.
قد يعتبر البعض هذا الكلام خيالاً، وإغراقاً في التشاؤم، أو تبني نظرية المؤامرة. لكن المؤكد – بعد كل زلازل المنطقة – أننا نحتاج إلى النظر بهدوء لخريطة منطقتنا، إذا قدر لإسرائيل الانتصار في معركتها الراهنة ضد إيران.
نقلاً عن «الشروق»