أمينة خيري
المؤكد أن الوجبة الدرامية في رمضان.. كانت حافلة ووافرة. والمؤكد أيضاً أن بعضها جاء محملاً ومتخماً.. بقيم وقواعد ومبادئ التطجين، والشرشحة، والسرسجة؛ بل مشجعاً ومروجاً لها. لكن المؤكد كذلك، أن وجبة هذا العام.. أخبرتنا بأن مصر ولّادة، وأن الأفكار والمواهب المصرية بخير ولم ولن تنضب.
وبعيداً عن أعمال الشرشحة والسرسجة، فإن الجانب الآخر من الأعمال الجيدة – بل العظيمة – حمل هذا العام قدرة غير مسبوقة.. على طرح قضايا ومشكلات، دأبنا على دفن رؤوسنا في الرمال.. لدى مجرد التفكير فيها. مجتمعنا الممزق – بين قيم الانغلاق والتحجر والجمود (ومرجعها ثقافة السبعينيات، التي تم زرعها والعناية بها حتى اليوم) من جهة. وبين الانفلات السلوكي والقيمي (وهو نتيجة طبيعية لادعاء التدين، وفرض ثقافة لا يعنيها سوى المظهر) من جهة أخرى – يجد نفسه في ورطة لدى مناقشة نوعية معينة من القضايا، يعلم علم اليقين أنها موجودة، وأنها تخرب الكثير من البيوت، وتمزق الكثير من الأسر، وتهدم حياة الكثير من الناس، لكنه يفضل ألا يراها. وإن رآها، فيميل إلى التظاهر بأنه لا يراها. وإن فرضت نفسها أمام عينيه وعقله، فهو يغضب وتنتفض أوصاله، وتتضخم عروقه. وإما يقول: «عيب ولا يصح»، أو «حتى ولو وُجدت مثل هذه المشكلات، فلا تصح مناقشتها في العلن»!
العجيب والغريب والمريب، أن هؤلاء أنفسهم.. يهرعون إلى البرامج الدينية «العلنية»، ويطرحون على المشايخ أسئلة.. تتعلق بقضايا لا علاقة لها بالدين. ومع كامل الاحترام لهم، إلا أن رجل الدين العالِم العلّامة، ليس عالِماً نفسياً، أو خبيراً تربوياً، أو طبيب جلدية، أو بروفيسور أمراض نساء وتوليد، أو أستاذ علم اجتماع، أو معالجاً نفسياً.
نحن نصَّبناهم في هذه الوظائف، والبعض منهم ارتضى أن يعمل بها؛ سواء إرضاءً للجمهور.. على طريقة «الجمهور عايز كده». أو من باب الاجتهاد في الرد (وبعض الاجتهاد مميت). أو بحكم تحول المجتمع إلى مجتمع ديني؛ لا يؤمن بمدنية الدولة، وبالتخصصات العلمية، وبالفصل بين العلوم الدنيوية والعلوم الدينية. القضايا الشائكة، والمشكلات الحساسة.. يجري طرحها في العلن (الذي يعترض عليه البعض)، وأحياناً بقدر أوفر من المباشرة في الألفاظ والشرح، (وبعضه دون معرفة فى العلوم النفسية والاجتماعية والطبية)، ولا يعترض أحد.
نجحت الدراما هذا العام.. في كسر تابو تناول قضايا نفسية واجتماعية ومعيشية، تنغص حياة الكثيرين منا، وجرى العرف على كتمها ووأدها، والتظاهر بأنها غير موجودة، والتغاضي عن الآثار المميتة لهذا التجاهل.. إرضاء لنزعات الجمود والتحجر، ومنها ما يتحول إلى حكم بالإعدام على الضحايا.
إحدى مهام الدراما، تناول مشكلات المجتمع.. شرط الاستعانة بمتخصصين وخبراء؛ كل في مجاله. والتعامل معها بحرفية، دون استثمار الجوانب المثيرة لـ«تسخين» العمل، وزيادة المشاهدة.
والخط الفاصل.. بين المعالجة الراقية العلمية، وبين المتدنية الشعبوية.. واضح وصريح.
تحية لكل عمل كسر التابو، واجتهد في إخراج بعض الرؤوس المدفونة من الرمال.
نقلاً عن «المصري اليوم»