سفير حسن هريدي
احتفلت الحكومة الصينية والمفوضية الأوروبية، في مطلع شهر يوليو 2025.. بمرور 50 عاماً على
إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية، والمجموعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد
الأوروبي اليوم) في عام 1975. وفي 6 مايو 1975، قام نائب رئيس المفوضية الأوروبية كريستوفر
سواميس.. بزيارة الصين، وهي الزيارة التي مهدت الطريق أمام التوقيع على أول اتفاق تجاري بين
الطرفين، وهو الاتفاق الذي تم تطويره ليصبح اتفاقاً أكثر شمولاً.. في مجال المبادلات التجارية والتعاون
الثنائي في عام 1985.
في العام التالي، قام رئيس المفوضية الأوروبية جاك ديلور بزيارة الصين في يوليو 1986، حيث التقى
مع الزعيم الصيني دنج هسياو بنج.. الذي أكد أن الصين ترى جاك ديلور في أوروبا شريكاً اقتصادياً
هاماً، وقطباً للتعاون التنموي. لكن الرسالة الأهم التي أرادت القيادات الصينية.. التأكيد عليها ولم تتغير
منذ 1986، هي أن الصين ترى أن أوروبا الموحدة.. يمكن أن تقف أمام محاولات الهيمنة – في إشارة
ضمنية للولايات المتحدة، وإدارة الرئيس الأمريكي – حينئذ – رونالد ريجان (الجمهوري)، الذي كانت
إدارته في حرب غير مباشرة مع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، واتخذت مواقف متشددة تجاه الأنظمة
الشيوعية.
خلال العقود الخمسة الماضية، تغيرت موازين القوة في النظام الدولي، فلم تعد الولايات المتحدة – والدول
الأعضاء في الحلف الأطلنطي – هي القوى المهيمنة في السياسة الدولية، وتعاظمت قوة الصين كقوة
دولية كبرى.. يمتد نفوذها عبر قارات العالم؛ بما في ذلك أمريكا اللاتينية.. التي كانت الولايات المتحدة
تعتبرها – من الناحيتين التاريخية والاستراتيجية – الفناء الخلفي؛ وفقاً لمبدأ مونرو. وأضحى التنافس
الأمريكي-الصيني – وبصفة خاصة في آسيا والمحيط الهادي – سمة من سمات العلاقات الدولية اليوم.
ونجحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن (ديمقراطي)، في حشد الدول الأعضاء بالحلف
الأطلنطي.. في استراتيجيتها في مواجهة الصين؛ عندما نجحت – لأول مرة منذ تأسيس الحلف الأطلنطي
في 1949 – باعتبار الصين، خصماً للحلف.. على قدم المساواة مع روسيا، وذلك في قمة الحلف بمدريد
في يونيو 2022.
وجاءت الحرب الأوكرانية، والحشد الأمريكي للدول الأوروبية.. في المواجهة مع روسيا – في هذا الشأن
- كعنصر خلاف في العلاقات الصينية-الأوروبية، بسبب اتهامات الولايات المتحدة والدول الأوروبية
للصين.. بدعم روسيا في هذه الحرب. وبالمثل، وظفت الإدارة الأمريكية السابقة مسألة تايوان،
وتحذيراتها المتكررة.. من أن الصين قد تغزوها، لكي تضغط على الدول الأوروبية لاتخاذ مواقف مناوئة
للصين. وقد انعكس ما تقدم، في الجولة الثالثة عشرة للحوار الاستراتيجي بين الصين والاتحاد الأوروبي - الذي استضافته المفوضية الأوروبية يوم 2 يوليو الحالي في بروكسل – وهي الجولة التي جسدت
الخلافات الثنائية بالنسبة للحرب الأوكرانية، ومسألة تايوان، وسجل الصين في مجال حقوق الإنسان،
والتهديد الهجين الصيني لأوروبا، والموقف من البرنامج النووي الإيراني، ومعارضة الصين للهجمات
الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية.. انطلاقاً من أنها تمثل سابقة خطيرة.
في هذا السياق، يعكس الموقف الصيني مخاوف بكين.. من أن تلجأ الولايات المتحدة لشن هجمات على
المواقع النووية لكوريا الشمالية في المستقبل، إلا أن هذه الجولة – التي تسبق قمة صينية-أوروبية هامة في
يوليو الجاري – أكدت مجدداً.. الأهمية التي يوليها الطرفان لتطوير العلاقات بينهما؛ خصوصاً في
المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. وإن كانت الحكومة الصينية تفسر تلكؤ الاتحاد الأوروبي
في التوقيع على اتفاقية للاستثمارات المشتركة، بانحياز الدول الأوروبية للاستراتيجية الأمريكية لاحتواء
الصين. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري العالمي الأول للصين، بينما
هي الشريك التجاري العالمي الثاني بالنسبة للاتحاد.
والجدير بالذكر، أن وزير الخارجية الصيني وانج وي – الذي ترأس الوفد الصيني في جولة الحوار
الاستراتيجي – أعرب عن تطلع الصين.. لأن تتخذ الدول الأوروبية منهجاً مستقلاً عن الولايات المتحدة،
في تفهم موضوعي ورشيد للصين.. من شأنه الإسهام في تبني سياسات أوروبية إيجابية وبراغماتية..
إزاء الصين؛ مؤكداً أنه لا يوجد تضارب أساسي في المصالح بين الصين والاتحاد الأوروبي، بل مصالح
مشتركة عميقة.. في التزامها بالدبلوماسية متعددة الأطراف، وبالدور المحوري الذي تضطلع به منظمة
الأمم المتحدة في النظام الدولي.
لكن استمرار الحرب الأوكرانية، وما يصاحبها من اتهامات وانتقادات أوروبية.. للمساندة الصينية لروسيا
في هذه الحرب، ستظل من المسائل الخلافية الكبيرة بين الصين والاتحاد الأوروبي، تلقي بظلالها –
بدرجات متفاوتة – على مجالات التعاون الثنائي المتعددة بين الطرفين، وأيضاً الخلافات ذات الطابع
التجاري.. مثل القيود الأوروبية على السيارات الكهربائية الصينية، ومطالبة الدول الأوروبية بنفاذ أكبر
للأسواق الصينية، ورفع الصين القيود على تصدير المعادن النادرة، إلا أن التنافس المتصاعد بين
الولايات المتحدة والصين، سيظل عاملاً ضاغطاً أمام تطور العلاقات الصينية-الأوروبية في السنوات
المقبلة.
نقلاً عن «الأهرام»