Times of Egypt

أهداف التنمية المستدامة وأهوال الليبرالية الجديدة (2-2)

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص..

(1)
«معنى التنمية المستدامة»
ننطلق في دراستنا للتنمية المستدامة، (وحسب ما فسرنا في عملنا: «المدونة العربية للتنمية المستدامة»- 2022، الذي أشرنا إليه فى مقالنا السابق)، فإن من أسس المفهوم التقرير المعروف باسم: «مستقبلنا المشترك» Future CommonOur- الذي اشتُهر باسم «تقرير بروندتلاند للتنمية المستدامة» (جو هارلم بروندتلاند، رئيسة وزراء النرويج، رئيسة اللجنة)، يمثل هذا التأسيس الإطار الفكري الذي حكم الوثائق والخطط اللاحقة الخاصة بالتنمية المستدامة. إذ نص على ما يلي:
«التنمية المستدامة.. هي التنمية التي تلبي حاجات الحاضر، دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم. وهي تحتوي على مفهومين أساسيين: الأول: مفهوم «الحاجات»، وخصوصاً الحاجات الأساسية لفقراء العالم، والتي ينبغى أن تُعطى الأولوية. الثاني: فكرة القيود التي تفرضها حالة التكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي.. على قدرة البيئة للاستجابة لحاجات الحاضر والمستقبل. لذلك ينبغي (يوصي التقرير) أن تحدد أهداف التنمية الاقتصادية الاجتماعية بمفهوم الاستدامة في جميع البلدان- نامية ومتطورة- تلك القائمة على اقتصاديات السوق، أو القائمة على التخطيط المركزي. فمهما اختلفت التفسيرات، فإنه ينبغي أن تشترك في ملامح عامة محددة، وينبغي أن تنطلق من الإجماع على المفهوم الأساسي للتنمية المستدامة.
(2)
«أهداف التنمية المستدامة: حزمة شاملة متشابكة ومتحدة المركز»
منذ اليوم الأول الذي طُرح فيه مفهوم التنمية المستدامة – في1987 – ثم ما تلاه من تنويعات أبدعها الباحثون من جهة، ونصوص أممية.. مهَّدت لإعلان «وثيقة أهداف التنمية المستدامة» في2015؛ كان هناك تأكيد على الآتي: أولاً: تجاوز مفهوم التنمية الاقتصادية المتمحور حول النمو الكمي فقط. ثانياً: التعاطي مع التنمية كمفهوم مركب يتعلق بالمواطنين الأكثر فقراً واحتياجاً وهشاشة. ثالثاً: إنه لن تتحقق التنمية إلا من خلال عملية شاملة لكل أبعاد الحياة الإنسانية. لذا كان التشديد على ضرورة الربط والتشبيك بين حزمة أهداف التنمية المستدامة الـ17.. لإحداث تحولات حقيقية ونوعية في مجالات ثلاثة تتعلق بحياة الإنسان كما يلي:
المجال الأول: جودة الحياة (وتشمل الأهداف التي تتعلق بالقضاء على الفقر، ضمان الصحة والرفاهية، التعليم الشامل والمنصف والجيد، والمساواة بين الجنسين، والحد من عدم المساواة، وسلمية المجتمعات). والمجال الثاني:البنية التحتية والموارد (وتتضمن الأهداف التي تتعلق بإنهاء الجوع وتأمين الغذاء وتحسينه، وتوفر الإدارة المستدامة للمياه والصرف الصحي، وضمان الطاقة بأسعار مقبولة، وعمالة كاملة منتجة، بنية تحتية وتصنيعاً شاملاً ودائماً وابتكارات متجددة، ومدناً آمنة، وضمان الاستهلاك المستدام وأنماط الإنتاج). والمجال الثالث:البيئة (وتجسدها الأهداف التي تعمل على مكافحة تغير المناخ وعلاج تداعياته، وحماية المساحات والموارد البحرية، وحماية وتعزيز النظم الإيكولوجية للأراضي، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي، وخسارة التنوع البيولوجي).
إذن، صُممت أهداف التنمية المستدامة.. باعتبارها «دوائر متداخلة ومتحدة المركزCircles Concentric ؛ إذ لا يمكن القضاء على الفقر.. دون نظام اقتصادي جوهره العدل وبيئته وبنيته التحتية داعمة للرفاه. ولا يمكن القضاء على الجوع.. دون نظام زراعي حديث ورشد مائي وبيئة خضراء ونظام غذائي صحي ومتكامل العناصر.. وبالأخير ماذا كان حصاد التنمية المستدامة بعد عقد من الزمان؟
(3)
«الأمم المتحدة وإخفاق دول العالم في الوفاء بوعد التنمية المستدامة»
في منتصف العام الماضي، أطلقت الأمم المتحدة تقريرها.. حول جهود دول العالم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ التي تتكون من 17 هدفاً رئيسياً وما يقرب من 200 هدف فرعي. وفي هذه المناسبة علق الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» على ما ورد في التقرير من نتائج.. بالآتي: «إن 17٪ فقط.. من الأهداف تسير على المسار الصحيح، وإن التقدم في أكثر من ثلث هذه الأهداف (35٪ منها) إما توقف أو تراجع». ويتراوح التقدم في تحقيق باقي أهداف التنمية المستدامة- حول الـ50٪ من هذه الأهداف- ما بين التقدم المعتدل والتقدم الهامشي. ودفع هذا الإخفاق الكبير في تحقيق إنجازات ملموسة لأكثر من 60٪ من أهداف التنمية المستدامة.. إلى الانتباه بأن «الوعد الذي قطعته الدول بالإجماع.. للالتزام بخطة التنمية المستدامة، وتحقيق كل أهدافها – الرئيسية والفرعية – بحلول العام 2030.. قد «أصبح في خطر». إذ إن ما تحقق «هزيل وغير كافٍ». ولعل أخطر ما تم إعلانه، هو أن استمرارية الإخفاق.. سوف تؤدي إلى أن قرابة مليار مواطن يعيشون على ظهر الكوكب، سيقعون في براثن الفقر المدقع بحلول سنة 2030. ناهيك عن تفاقم التدهور البيئي والانهيار المناخي.
إذ إن السياسات الاقتصادية – التي تعتمد على إنهاك وإنضاب مقدرات الكوكب – سوف تؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة يقارب 3 درجات مئوية، ما يعني السير قدماً نحو الانتحار.
دفعت «الصورة القاتمة» التي رسمها تقريرا التنمية المستدامة عن السنتين الماضيتين (2023 و2024).. إلى البحث في أسباب ضآلة ما تم تحقيقه من أهداف التنمية المستدامة. وخلال متابعة دقيقة لكثير من التحليلات قمنا بإعداد دراسة نصدرها في كتابنا قيد الطبع: «رأسمالية ظالمة: أهوال النيوليبرالية فائقة التدمير للكوكب ومواطنيه».. فما الذي خلصنا إليه؟
(4)
«أهوال النيوليبرالية فائقة التدمير»
يشير الكثير من الدراسات.. إلى أن النظام الاقتصادي العالمي- بتوجهاته وسياساته النيوليبرالية – هو المسؤول عما سماه أكثر من باحث.. بـ«الأهوال التي تدفع نحو فناء الكوكب»، أي (نهاية العالم): هول صناعة جوع، وهول الفقر، وهول اللامساواة غير المسبوقة تاريخياً، هول الاحترار الذي يهدد مستقبل الكوكب، هول الأوبئة، هول البقاء للأغنى – كما ورد في التقرير السنوي لمؤسسة أوكسفام التنموية العالمية قبل سنة، هول الحروب/ الصراعات الجيوسياسية، وهول الديون – وهو ما دفع «جوتيريش».. في أكثر من مناسبة مؤخراً، إلى أن يدعو إلى تغيير في التوجهات الاقتصادية للعالم، وإعمال إصلاحات للهيكل المالي العالمي.


نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة