Times of Egypt

أم كلثوم والشعراوي لا يجتمعان ولا يلتقيان

M.Adam
عادل نعمان  

عادل نعمان

(لست معترضاً على البحث عن النموذجين، اعتراضي هو البحث عن واحد فقط من اثنين، إما أم كلثوم أو الشعراوي، لصعوبة العيش بين ضرتين) وتعالوا معي:

علَّمونا في المدارس – منذ نعومة أظفارنا – أن من زرع حصد، ومن جدَّ وجد، ومن سار على الدرب وصل، وعلَّمتنا الأيام أن نسائم الحرية.. إذا خنقوها وأغلقوا نوافذها على الناس، وعزلوهم وفرَّقوهم وشغلوهم بتوافه الأمور، لن يصطف حولهم إلا رديء القول والفعل. ولن يجلس على موائدهم إلا خواة البطون والعقول، ينفضون عنهم إذا ما حلَّ البلاء والضراء. أما عن المواهب والكفاءات في هذه الأجواء، فهي لا ترى لها بديلاً.. سوى الاختفاء والانعزال، أو تنتحر في جماعات؛ كانتحار الفيلة على شواطئ الأنهار.. عطشاً وجوعاً. 

ومن نافلة القول، فأنا أنصح القائمين على شؤون البلاد.. إذا بحثوا عن هذه المواهب والكفاءات، ألا يبحثوا عنها في البيوت والمدارس والجامعات؛ فقد عزلت نفسها.. فراراً من عطن المياه الراكدة، وضيق الأمكنة والصدور، فتشوا عنها في بقايا الأطلال القائمة والآثار الشامخة، ربما تجدوا بعض رفات ممن اعتزلوا أو ارتدوا أو انتحروا!

إياكم أن تنتظروا ولادة المواهب والكفاءات والخبرات.. من رحم الجهل والتطرف، أو أن تقوم لهم قائمة.. إذا انهارت منظومة التعليم والمعلم، أو تنهض.. حين تنام وتغفو الكيانات الثقافية، وينتهبها تجار الخردة وسماسرة المواشي، أو تفوز في سباق يحكمه ويحمل راياته المستغلون والانتهازيون والمتربصون. 

إياك أن تنتظر نتائج تخالف المقدمات والبدايات، أو تنتظر حصاداً في وادٍ بور.. ليس فيه زرع ولا ماء، أو أمناً وسلاماً.. في مجتمع يتوارى فيه القانون ويخجل، أو طالب علم في مجتمع.. يعتبر «الهشك بشك» وبيكا وكزبرة وحنجورة.. نماذج وقدوة يُحتذى بها، وأملاً يفرض نفسه على الناس.. بالكرباج.

والغريب في الأمر، ليس في البحث عن نماذج الفن الرفيع، والقوى الناعمة.. التي تحمي المجتمع بسياج من السمو والرفعة والحب والسلام؛ كسيدة الغناء العربي. ولو كان الأمر جاداً.. لقطعت الأشواط دون كلل، أفتش عنها في كل مكان، وهو أمر ليس عسيراً.. فعلى الرغم من انصراف الكثير من هذا الجيل إلى «بيكا وشيكا»؛ فإن حنجرة مصر لا تنقص ولا تنفض، إلا أن الغريب – بعد فض الأحراز وإدراك الحقائق – أتعجب من تلك المحاولات الدؤوبة.. في البحث عن نماذج تاريخية وُظِّفت سياسياً لهدف محدد، وأداروا بها معارك.. غاب فيها الوعي والعقل، وخاضوا بها حروباً ضد عدو.. لسنا في خلاف أو شقاق أو تركة أو ميراث أو خلاف حدود معه، وافتعلوا ومارسوا بهم معارك مذهبية.. دمرت الأمة ونالت من عزتها وكرامتها، ووضعتها في صفوف الدول المتطرفة والإرهابية، واختلقوا بها معارك وهمية ساذجة لإلهاء الأمة.. وعزلها ثقافياً، وحبسها خلف أسوار الجهل، وإبعادها عن فضاء الحضارة الرحب.

ثم هل نحن في حاجة لاستدعاء نموذج الشعراوي، أو أم كلثوم؟ هل نستدعي الفن الرفيع لترتقي الأمة وتسمو، وتخف حدة التوتر في المجتمع، وتتواصل الشعوب.. بديلاً عن أجواء التطرف والعنصرية؛ التي فاحت وطاحت بالمجتمع على يد هؤلاء؟ هل نحن في حاجة إلى تجديد فتاوى كل مشايخ التطرف؟ ثم من هذا الأب الذي يقبل أن يقتل ولده.. إذا ارتد أو جحد الصلاة، دون وجود عقوبة من الله.. وهو صاحب الشأن، ويقتله مجتمع يفترض أنه حاضنته ومأواه ومُعينه؟ ومن هذا الجار العاقل.. الذي يوافق على ازدراء كل الأديان الأخرى وإهانتها، وأتباعها هم أقرب إليه جواراً وسنداً ودعماً؟ ومن ذا الذي تثنيه عن الفضل والرحمة.. إذا رأى فضلاً في التبرع بأعضائه بعد وفاته، وهو حقه وقراره؟ ومن من أبناء هذا الوطن، يرى في سجوده وشكره لله – في هزيمة 67 – وقتل آلاف الشهداء.. عملاً مباركاً يستحق التكبير والتهليل.. نكاية في السلاح الروسي، حتى لا يكون سلاح الملاحدة.. سبباً في انتصار بلاد العرب والإسلام؟ ويتنكر لآلاف الشهداء – الذين فاضت أرواحهم في معركة، لم يحاربوا أو يقاتلوا فيها، ولم تختبر عزائمهم؟ وما قولكم أن كل هذا التطرف.. كان رأس الحربة، وكلمة السر التي أطلقتها أمريكا.. لشحن الإسلاميين ضد الروس، وإشعال نار الحرب.. التي لم تهدأ حتى الآن، ليصبح العالم كله تحت سيطرة وهيمنة قوة واحدة.. دون طرف آخر يوازن ويعادل ميزان القوى.

وما رأي المرأة العاملة العالمة – التي درست وتفوَّقت ووصلت إلى أعلى المناصب والمراتب – في عودة نموذج أم كلثوم أو الشعراوي؟ وأيهما يرفع عنها ثقل الأيام وضغوط الحياة، ماذا تقول في رأي فضيلته.. أن ضربها وتأديبها هو عزة لها، وشرف لها.. لا يضاهيه شرف؟ وهل توافق أيها الرجل، أن تكون زوجتك وابنتك «الحاسرة السافرة في تبرجها».. إلحاحاً منها في عرض نفسها على الرجال، «دافعاً ورخصة من الشيخ للتحرش بهن».

أيها السادة المفتشون، والباحثون في المعمورة.. عن نموذج أم كلثوم والشعراوي، آن الأوان للبحث عن قيادات علمية وسياسية واقتصادية ناجحة، تنهض بها الأمة وترتقي، ليس بالتطرف.. بل بالفن الراقي الهادف، ورحم الله أم كلثوم. 

الدولة المدنية هي الحل.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة