زياد بهاء الدين..
دعيتُ الأحد الماضي.. لحضور الحفل الموسيقى المقام بمناسبة ذكرى خمسين عاماً على رحيل «أم كلثوم» في بهو المتحف المصري الكبير، المقرر افتتاحه رسمياً يوم 3 يوليو القادم.
الحفل – باختصار- كان رائعاً، ما عدا البرد الشديد.. الذي جعل الحاضرين يرتعدون من قسوته. ولكن حرارة الأداء والعزف والغناء والمشاعر، جعلتنا ننسى البرد والمشاكل والضجيج في الخارج.. لبضع ساعات، نعيش خلالها لحظات رائعة جمعت بين الاستمتاع بالموسيقى العربية الأصيلة، وبين الفخر بما لا نزال نملكه من طاقات وإمكانات إبداعية.. لا نكترث بها كما ينبغي وكما تستحق.
الحفل تضمَّن فقرتين، غنت في الأولى منهما «ريهام عبد الحكيم»، وفي الثانية «مي فاروق»، وصاحبتهما فرقة (لم يُعلن عن اسمها) بقيادة المايسترو «محمد الموجي». والمطربتان من نجوم دار الأوبرا المصرية، ومدرسة «سليم سحاب»، ومعروفتان بغناء تراث «أم كلثوم».
الفنانتان كان أداؤهما جميلاً جداً، والمقارنة بينهما غير مطلوبة، لأن لكل منهما أسلوبها وشخصيتها وطريقتها في استعادة أغاني «الست»..العالقة بكل تفاصيلها في آذان ووجدان الحاضرين. ولكن «ريهام» و«مي»..نجحتا – بجدارة – في تقديم أوجه مختلفة من تراث «أم كلثوم»؛ الأولى بقدر أكبر من التجديد والحداثة، والثانية بانتماء مخلص لتراث تقليدي رصين. وشخصياً، فقد وجدتُ أن كلّاً منهما أقدمت على مغامرة تستحق الإشادة والتقدير؛«ريهام» باختيار غناء المقطع الأول من رائعة «محمد القصبجي» أغنية «رق الحبيب» – التي سمعها الجمهور لأول مرة عام 1944 – وهي من الكلاسيكيات الصعبة نسبياً. أما «مي»، فقد غامرت أيضاً بأداء ما اختارته من أغاني «أم كلثوم» الأحدث نسبياً.. والمعروفة جيداً، ولكن بقدر من التجويد والارتجال، الذي يمثل عنصراً أساسياً من الموسيقى العربية، ويقدّره جمهور «السميعة».
نجوم السهرة – مع ذلك – لم يكونوا فقط الواقفين على المسرح، بل نجح البرنامج الثري والمتنوع.. في أن يجدد حضور عمالقة، لا يزالون معنا وساكنين في وجداننا.. برغم مرور عقود طويلة على رحيلهم؛محمد عبد الوهاب، ومحمد القصبجي، ورياض السنباطي، وسيد مكاوي، وبليغ حمدي، ومحمد الموجي. ومن الشعراء: أحمد رامي، ومرسي جميل عزيز، وأحمد شفيق كامل، وعبد الوهاب محمد، ويتقدمهم طبعاً أمير الشعراء أحمد شوقي، وشاعر النيل حافظ إبراهيم.
زاد من رمزية المشهد، ومن سعادة الحاضرين.. أن كل هذا جرى تحت أقدام العملاق الأكبر.. رمسيس الثاني،الذي كان تمثاله الشهير شامخاً في بهو المتحف الكبير، ومتابعاً – في صمته المعهود – لما يجري حوله. وحينما غنت «مي فاروق» أغنية «وقف الخلق»..من كلمات أحمد شوقي وألحان رياض السنباطي، لاحظتُ أن كثيرين من الجالسين حولي – وبتلقائية شديدة – أداروا وجوههم في نفس اللحظة نحو جدنا الأكبر، ربما كي يسألوه: «وما رأيك؟ هل أنت راضٍ عما تشاهده وتسمعه؟ وهل حفظنا لك العهد والقيمة؟».
… كل التحية والتقدير للصديق العزيز د. أحمد غنيم – رئيس المتحف – الذي لا يكلّ ولا يملّ، ويهتم بكل التفاصيل.. كما لو كان الحاضرون جميعاً ضيوفاً في منزله. وتمنياتي له بالتوفيق – في مناسبة افتتاح متحفنا الكبير -وللجميع بشهر رمضان كريم ومبارك.
نقلاً عن «المصري اليوم»