أمينة خيري
كنت قد نويت الكتابة عن أم الحلول، الداء والدواء، والغاية المفقودة، والأمل المنشود، والطريق
الوحيد.. للتخفيف من شعور طاغٍ لدى كثيرين بالظلم، أو فقدان الأمل، أو انعدام العدالة، أو
الشعور الدائم بالتهديد؛ ألا وهو تطبيق القانون كل يوم.. على مدار الـ 24 ساعة، طيلة الأيام الـ
365 في السنة العادية أو الـ 366 في السنة الكبيسة.
… مرة أخرى.. ألا وهو تطبيق القانون. تطبيق القانون على قائد السيارة، ومقاول الطريق،
والوزير، والخفير، والمواطن.. أياً كانت صفته؛ ولو كان ضابطاً أو قاضياً، أو ابن رجل مهم، أو
عابر سبيل.
وبدلاً من إعادة الكتابة.. لما كتب مرات ومرات، اسمحوا لي بإعادة نشر مقاطع.. من مقال –
كتبته هنا في ديسمبر الماضي، ضمن سلسلة مقالات «إعادة اختراع العجلة»؛ إذ لم يتغير شيء
منذ ذلك الحين.
… كتبت.. «ما يفرق بين الدول والمجتمعات وبعضها البعض، ليس فقط معدلات الفقر والغنى،
أو أنظمة الحكم، أو الأداءات الاقتصادية؛ ولكن مدى احترام وتطبيق وتفعيل القوانين، ومدى
علم الناس بمعنى القانون، ولماذا وُضع، وسبل تنفيذه، وضمان استدامته، والمواصفات
والمؤهلات العلمية والتدريبية والرقابية المطلوبة.. في المنوط بهم تطبيق القانون، وكيفية
تطبيقه على الجميع دون استثناء، وإلا فقد احترامه.
لا توجد مجتمعات ملائكية.. وأخرى شيطانية، أو دول خرجت إلى الحياة متقدمة ومتحضرة،
وأخرى متأخرة وعشوائية. نحن نتاج ما نختار ونطبق. والتغيير مرتبط بالمقاومة والممانعة.
وسِجِلُّنا المعاصر حافل بمقاومات شعبية عاتية.. للعديد من محاولات التطوير؛ ومنها مقاومة
تطوير فكر التعليم، ومقاومة تطبيق قوانين السلامة المرورية، ومقاومة تطبيق معايير في تنفيذ
الأعمال، والقائمة طويلة جداً».
الفرق بين المجتمعات المتحضرة وغير المتحضرة – أو نصف المتحضرة – لا يكمن في المال
والجاه.. فقط، أو في القوة العسكرية.. ومقدار شراستها.. فقط، أو في تبوّئها مكانة متقدمة بين
دول الأرض.. فقط. كما أنها ليست المجتمعات التي تحظى فيها الغالبية بحياة الرفاه والثراء..
فقط، أو التي ينتمي فيها الجميع للمعتقد نفسه ويلتزم الكل بكود الملابس ذاتها، أو التي تزيد فيها
دور العبادة على دور العلم والبحث والترفيه والتثقيف بالضرورة، أو التي تعلو فيها أصوات
رجال الدين.. لتطغى على كل الأصوات.
تعريفات أو مقومات «المجتمع المتحضر».. كثيرة، لكن أفضلها وأكثرها استدامة، هي تلك التي
تقوم على احترام حقوق وحريات الجميع، وضمان أداء الواجبات.. عبر الاحتكام لقوانين واضحة
النصوص، تطبق على الجميع؛ دون تدخل من رجال الدين، ودون فتح الباب بتعدد مصادر
التشريع، ولو كانت الأعراف والعادات والتقاليد. (وأشير هنا إلى دهشتي الشديدة.. بأن يذكر
ضمن سبل تطبيق السلامة على الطريق، إلى إشراك وزارة الأوقاف.. ليخطب أئمة المساجد
عنها، ولا يذكر تطبيق القانون الصارم والحازم.. على مجانين الطرق). وهي التي تعاقب
المرتشين، والمفسدين، والمتنصلين من المسؤولية، ومغيبي العقول.. بالقانون. هي التي تحمي
المواطن.. من جور الدولة، وتقي الدولة شرور الخارجين على القانون، وذلك دون الحاجة إلى
إعادة اختراع العجلة.
نقلاً عن «المصري اليوم«