Times of Egypt

أعمدة أسفل هرم خفرع!

M.Adam
زاهي حواس

زاهي حواس

ضجَّت وسائل الإعلام والصحف ومنصات السوشيال ميديا.. بأخبار ما يسمى بالكشف المذهل أسفل أهرامات
الجيزة!
فجأة – ودون سابق إنذار – وجدت العديد من الصحفيين والمراسلين.. من كل مكان بالعالم، يطلبون مقابلتي
بشكل عاجل، أو الحديث معي عبر وسائل التواصل عن بُعد.. لعمل لقاءات صحفية، والتعليق على ما يسمونه
الكشف المذهل، وعندما قمت باستقصاء الأمر، فوجئت بأن هذا الكشف المزعوم لا أساس له من الصحة،
والقصة تعود إلى قيام مجموعة.. ممن يطلقون على أنفسهم باحثين من إيطاليا، بنشر مقالة في مجلة سويسرية
تصدر بمدينة بازل.
هذه المجلة – للأسف – تفتح أبوابها لكل من يريد نشر مقال أو فكرة، بعد أن يقوم الكاتب بدفع المقابل المادي
لذلك. بل وتُخلي المجلة مسؤوليتها عن كل ما يُنشر بها!
أما المقالة المنشورة، فتتحدث عن وجود اكتشافات غريبة أسفل أهرامات الجيزة. والمثير للدهشة أن أحد
هؤلاء المغامرين – ممن قاموا بنشر المقال – متخصص في الهندسة الكهربائية، وآخر متخصص في الكيمياء.
وبعد نشر المقال عقد المغامرون مؤتمرا صحفيا.. للإعلان عن وجود كشف أثري تحت هرم الملك خفرع..
على حد زعمهم. ويتحدثون كذلك عن هرم الملك خوفو – في البحث الذي يدعون أنه نُشر بعد أن تمت
مراجعته – أي أنه بحث محكم!
أعلن المغامرون أن الكشف تم من خلال عمل مسح راداري باستخدام قمرين صناعيين.. يبعدان آلاف الأمتار
عن الجيزة، وباستخدام صور تلك الأقمار الصناعية، استطاعوا رصد وجود أعمدة عملاقة.. عددها ثمانية
أعمدة أسفل هرم الملك خفرع وبعمق 648 متراً. وحول الأعمدة، هناك ما يشبه السلالم الحلزونية التي تلتف

حول تلك الأعمدة، مع وجود غرف ضخمة بمساحات 80 متراً، وممرات أو أنفاق على عمق 2 كيلومتر
تحت الأرض.. تجري من خلالها المياه.
وقد كتب الدكتور ياسر الشايب – أستاذ ميكانيكا الصخور بهندسة القاهرة – ينفي إمكانية قيام أي قمر صناعي
في العالم بعمل مثل هذا المسح الراداري.. بهذه التفاصيل الدقيقة، والوصول لنتائج مثل التي يزعمها هؤلاء
الذين يطلقون على أنفسهم لقب «باحثين».
ولا بد أن أشير هنا إلى أن هناك العديد من الهواة المغمورين، الذين يبحثون عن الشهرة، ويجدون مطلبهم في
الآثار الفرعونية! بنشر مزاعم وأكاذيب حولها. إننا لم نسمع من قبل عن قيام المغامرين الإيطاليين بأي عمل
علمي في مصر! ولم يشاهدوا قط.. في منطقة أهرامات الجيزة. وكل ما قاموا به هو استغلال مجلة – مثل
التي تحدثنا عنها – لنشر خرافاتهم. وليست هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها عن وجود اكتشافات وهمية
خاصة بالأهرامات. فقد سبق أن زعم إيلون ماسك.. أن الأهرامات بناها عباقرة.. جاءوا من الفضاء، وأنها
ناقلات للقوة الكهربائية. وهناك كذلك أتباع العراف الأمريكي الشهير.. إدجار كيسي، الذين يؤمنون بأن علماء
القارة المفقودة – الأطلانتس – هم بناة الأهرامات. وأنهم قاموا بترك معارفهم، والأدلة التي تثبت بناءهم
للأهرامات.. أسفل القدم اليمنى لأبوالهول.. محفوظة في صندوق يحتوي على أسرار القارة المفقودة. كذلك
هناك من ادعى أن الهرم لم يُبنَ كمقبرةٍ، بل لكي يكون مولداً للكهرباء!.
وآخرون قالوا بأن الهرم.. كان يستخدمه نبي الله يوسف عليه السلام – كمخازن للغلال – أثناء فترة المجاعة،
التي ضربت مصر سبع سنين. وفي كل مرة تنشر الخرافات حول الأهرامات، أقوم بالرد – بالأدلة العلمية –
والتصدي لهذه الخرافات. إن أهرامات الجيزة بناها مصريون. وقد قمت بالكشف عن جبانة العمال بناة
الأهرامات، والكشف عن هياكلهم العظمية وأسمائهم. وأثبتنا للعالم كله.. أن بناة الأهرامات مصريون عملوا
بحب وإخلاص.. لكون الهرم هو المشروع القومي، الذي من أجله يساهم كل المصريين في شمال البلاد
وجنوبها، فكان من المهم أن يؤمّن الملك مقبرة له، لكي ينتقل من خلالها ويصبح ملكاً إلهاً في العالم الآخر،
ويولد من بعده حورس أي ملك جديد.. يجلس على العرش.

أما بخصوص الصندوق – الذي يزعمون أنه يوجد أسفل قدم أبوالهول اليمني – فقد قمنا عندما كانت المياه
الجوفية تهدد أبوالهول.. بالاتصال بالدكتور حافظ عبدالعظيم – رئيس مركز هندسة الآثار في ذلك الوقت –
وقام بعمل مجسات لقياس منسوب المياه، وصل عددها إلى 32 مجساً، أثبتت لنا أن أسفل أبوالهول عبارة عن
هضبة صخرية صماء، ولا يوجد بها أي أنفاق أو فراغات، ولا دليل على وجود أشياء مخفية.
إن الأهرامات كانت مقابر لملوك عظام، عُثر على بقايا مومياواتهم داخلها، وكذلك عُثر على توابيتهم،
وأجزاء من العتاد الجنائزي.. الذي أفلت من يد لصوص الأهرامات الذين اقتحموها، عندما انهارت السلطة
المركزية، ووقعت البلاد أسيرة الفوضى والاضطراب خلال عصر الانتقال الأول.
لقد نشر أحد الأمريكان – ويُدعى لاري هانتر – شائعة بأنني، وكنت وقتها أعمل مديراً لأهرامات الجيزة، أقوم
بالنزول من فتحة نفق.. مخبأة في الحمام الملحق بمكتبي بالجيزة، ومن خلاله أصل إلى الأهرامات، لكي أقوم
بالكشف عن أسرار قارة أطلانتس، وأجمع الأدلة وأخفيها!
وفي أحد الأيام، فوجئت بصحفي من كاليفورنيا يطلب مقابلتي. وقصَّ على ما يقوله لارى هانتر، فسألته وما
المطلوب مني أن أفعله؟ فقال إنه يريد أن يدخل إلى الحمام الخاص بي، ويقوم بفحصه.

وبالفعل، سمحت له بأن يفعل ذلك، وفوجئت بأنه استمر لمدة طويلة من الوقت؟ وعندما انتهى.. سألته: هل
وجدت شيئاً؟ فأجاب بـ لا، وقال إنه قام بالتقاط صور للحمام، وسيقوم بنشرها على الإنترنت، لكي يعرف
العالم.. أنه لا يوجد نفق في حمام زاهي حواس بالجيزة.
نعود إلى ما نشره المغامرون الإيطاليون، ونؤكد أنه.. من غير المعقول استخدام صور من الأقمار الصناعية،
والحديث عن وجود مدينة وحضارة.. أسفل الأهرامات. ومن المؤكد أن هؤلاء لا يعرفون.. أنه كانت هناك
بعثة من معهد ستانفورد بكاليفورنيا، جاءت للعمل داخل هرم الملك خفرع – بالتعاون مع جامعة عين شمس –
ولم يتم العثور على أي أعمدة أسفل الهرم. ومن المؤكد أيضاً أن هؤلاء المغامرين.. لا يعرفون كيف بُني هرم
الملك خفرع، وأن المصريين القدماء.. كانوا يقومون – في البداية – بتحديد قاعدة الهرم المربعة على الأرض،
وبعد ذلك يقومون بالحفر حول الجوانب الأربعة للمربع، حتى يصل ارتفاع قاعدة الهرم – من الصخر

الطبيعي – إلى ثمانية أمتار، وهذا واضح جداً في قاعدة الهرم الثاني، وكان المصري القديم يحدد قاعدة
الهرم.. عن طريق حُفر دائرية. وقد عُثر على تلك الحفر حول أهرامات الجيزة.
وتقع حجرة الدفن أسفل هرم الملك خفرع، وبها يوجد التابوت الذي دفُن فيه الملك، بالإضافة إلى حجرة
أخرى.. تُعرف بالحجرة الجانبية. وبالتأكيد لم يحتج المعماري المصري القديم.. إلى تشييد أعمدة ضخمة أسفل
الهضبة الصخرية.. لكي يضع عليها الهرم، فهذا أمر غير منطقي.
وهناك بعثة استكشاف الهرم – برئاسة الدكتور هاني هلال، يعاونه فريق مصري وياباني وفرنسي – قاموا
بعمل دراسات مهمة بالأشعة، وباستخدام الرادار.. للكشف عما يخبئه الهرم الأكبر من أسرار، وبالفعل
توصلوا إلى وجود حجرة (أو صالة).. تعلو المدخل الرئيسي للهرم، يصل طولها إلى ثمانية أمتار، وعرضها
متران، ولها سقف جمالوني.
لقد سئل علماء المصريات – في كل مكان بالعالم – عن هذا الكشف المزعوم، وكانت الإجابة واحدة: لا توجد
أعمدة أسفل هرم الملك خفرع.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة