عبدالله عبدالسلام
خلال الأيام الماضية، شهدت أسعار الدواجن انخفاضاً واضحاً.. بسبب زيادة المعروض، وتراجع الطلب، وارتفاع درجات الحرارة؛ ما أجبر أصحاب المزارع على طرح كميات كبيرة.. لتجنب الخسائر. وأيضاً لاستقرار أسعار الأعلاف وانخفاض أسعار الكتاكيت، كما ذكر الخبراء.
من المفترض، أن الانخفاض نزل برداً وسلاماً على المستهلكين.. الذين عانوا – خلال السنوات الماضية – ارتفاعاً شبه متواصل دائماً في الأسعار، لدرجة أصبحت معها «الفراخ» – التي كانت بديلاً رخيصاً لمنتجات اللحوم – سلعة فوق متناول قطاع كبير من المصريين، الذين ينتظرون أن يحدث نفس الأمر مع اللحوم.. التي باتوا يصنفونها على أنها سلعة «استفزازية»، لا يجب الاقتراب منها.
لكن الانخفاض.. لم يُعجب بعض منتجي الدواجن، الذين أعربوا عن «القلق الشديد، لأن ذلك سيتسبب في خسائر كبيرة؛ خاصة للمربين الصغار والشركات المتوسطة، ويهدد بخروجهم من الصناعة».. بحسب تصريح أحدهم قبل يومين. أي أن تواجد هؤلاء المنتجين في السوق.. مرتبط باستمرار تحليق الأسعار في السماء. لا يهم إن كان المستهلكون قادرين على الشراء أم لا. المهم ألا يتأثر مزارعو الدواجن سلباً. الأسعار المنخفضة قليلاً لا تضمن لهم ذلك. لا بد أن يبقى الحال على ما هو عليه، وليضرب المستهلكون رؤوسهم في الحائط، أو – على الأقل – يطبقوا مقولة: «اللي معهوش ما يلزموش».
الشاهد، أن هذه هي مشكلة المصريين منذ زمن طويل.. مع الصناعة الوطنية في شتى المجالات. مطلوب منهم أن يشتروا المنتج المحلي لتشجيعه، والمساعدة في نمو الاقتصاد. هذا الفعل الشرائي – كما تعلمنا في المدارس وقرأنا في الإعلام – جزء من الانتماء، وتعبير عن حب الوطن. ثم إنه رسالة طمأنة، تؤكد التفاف الشعب المصري العظيم,, حول صناعته ومصنعيه. إنه أيضاً واجب ديني.. كما قال لنا أحد العلماء.
لا يهم نوعية المنتج، ومدى جودته، ولا سعره، علينا التضحية في سبيل بلادنا وصناعتها، ولا نفكر في البحث عن بدائل أجنبية.. قد تكون أفضل، وأقل سعراً. هذا يجب أن يكون من المحرمات.
للأسف، عاشت معظم الصناعات المصرية.. من أجهزة كهربائية وملابس، وصولاً إلى صناعة الدواجن وغيرها، في «حضّانة» استمرأت الدفء الذي توفره، والحصانة التي تحميها من المنافسة الأجنبية.
لم يفكر منتجون وصناعيون مصريون.. في مشاركة المستهلكين – خاصة من الفئات الفقيرة والمتوسطة – أعباء ارتفاع الأسعار. بل تبارى كثيرون منهم في التنافس في زيادة الأسعار؛ أحياناً لأسباب معقولة، وفي أكثر الأحيان لتعظيم الربح فقط.
لم تشفع أنّات المصريين، وشكاواهم من ارتفاع الأسعار.. في تحليهم بالشفقة والرحمة والعطف، والتوقف عن الرفع «الأوتوماتيكي» للأسعار. بل على العكس، عندما تنخفض تلك الأسعار على غير رغبتهم، يسارعون بالتحذير من التأثير الضار.. على الصناعة المصرية وعلى الاقتصاد. وكأن المستهلكين ليسوا جزءاً من المنظومة الاقتصادية، وكأن الدور الاجتماعي للمنتجين والمصنعين.. أصبح في ذمة التاريخ.
المفارقة، أن غالبية الصناعات المصرية.. تعاني مشاكل عديدة عند التصدير للخارج، ولا سوق حقيقية لها.. إلا داخل مصر.
وبالتالي، فإن المستهلك المحلي.. هو الأولى بالاهتمام، ومراعاة ظروفه.
أهمية الانتماء، وحب الوطن، والواجب الديني.. لا تقتصر على طرف دون آخر. أعتقد أنها مطلوبة من الجميع.. منتجين ومستهلكين.
نقلاً عن «المصري اليوم»