أمينة خيري..
لو كنت من مسؤولي المؤسسات الدينية الرسمية.. لانزعجت، وتضررت من أجواء «التدين الشعبي» السائدة. ولو كنت منهم.. لشكلت لجان أزمات، وأصدرت قرارات باستنفار كل الخبرات والجهود.. لوقف هذا الطوفان الهادر المتصاعد المتفاقم، الذي لن يكتفي بالقضاء على القلة القليلة.. من الممسكة بتلابيب التدين الهادئ، والدين الوسطي، والتي لم تلغ عقولها بعد، بل ستصيب الجميع في مقتل فكري واجتماعي.
لو كنت من المسؤولين الأجلاء، للاحظت أن فئة عريضة من المجتمع.. تركض – بسرعة رهيبة – صوب نوع زاعق قاسٍ غليظ من التدين؛ كلما زادت غلظته، زاد فخرهم به، وزاد إعجاب المحيطين بهم! ولأيقنت أن فضاء الـ«سوشيال ميديا».. أصبح مرتعاً لناشري هذه النسخة، الأكثر سوءاً وخطورة من تلك التي غزت مصر في السبعينيات؛ فقد أدت إلى ما نحن فيه الآن من تشدد مظهري، وإغراق في هالات التدين.. على حساب جوهر الأخلاق. ولعرفت – عبر الرصد والمتابعة – أن جزءاً من هذه النسخة الجديدة.. التي تلقى هوى في قلوب وعقول الناس، يساهم في نشره وتجذيره البعض.. ممن يُفترض أنهم «علماء دين».
هذا البعض نشأ – هو الآخر – وترعرع في كنف نسخة تدين السبعينيات، فأصبحت جزءاً من تكوينه، وأضيف إليه ما تعلمه في قاعات العلم الديني، التي- من المؤكد –تأثرت.. هي الأخرى بموجات التشدد، وأمراء التطرف. وكبر وتخرج من الجامعة، ليساهم في دق المزيد من «أسافين» التطرف.
أجيال بأكملها.. وُلدت وتربت وكبرت، وهي تعتقد أن مصر كانت تعتنق هذا النوع من التدين على مر تاريخها. هذه الأجيال تعتبر الفن فسقاً، والموسيقى حراماً، والتفكير – خارج الحدود التي يسمح بها «الشيخ» – كفراً، والترحم على غير المسلم.. معصية، والقائمة تطول.
لو كنت من مسؤولي المؤسسات الدينية الرسمية، لاستعنت بخبراء علم اجتماع، وعلم نفس، وأنثروبولوجيا.. لا بخبراء شريعة وفقه؛ وذلك احتراماً للتخصصات.. لرصد وتحليل محتوى الـ«سوشيال ميديا».. ذي النزعة الدينية، وكذلك تعليقات الناس على أخبار عادية، بل وعلى فيديوهات الطبخ والمسح، وإزالة بقع السجاد.. التي يسجلها أصحابها، مع خلفية موسيقى هادئة، فإذ بأولئك من نتاج التدين الممسوخ.. يحذرونهم من الموسيقى، وينبهونهم إلى أن صوت المرأة حرام، وغيرها.
البعض – وأقول البعض، وليس الكل – من المحتوى المقدم في منصات دينية «رسمية»، يرسخ للتشدد والتطرف، ويعادي حرية الاختيار، ويصر على نشر فرضيات عن الدين.. صنعوها بأنفسهم، ويصرون عليها، وينشرونها ويكررونها، حتى باتت جزءاً متجذراً من الوعي الشعبي.
السؤال هو: هل كان علماء الأزهر الشريف بعيدين عن الدين، وغير فاهمين له حتى الستينيات؟ هل كانوا يتحدثون عن دين مختلف؟
أعى تماماً، أن هناك مقاومة عنيفة.. لأي دعوة لتطهير الدين مما لحق به، وتنقيحه مما أصابه، وذلك لاعتقاد البعض أن هذا هو الدين. ولكن هل في الإمكان فهم ما يجري الآن.. من زوايا علمي الاجتماع والنفس، لعلنا نفهم سوياً ما يجري؟!
نقلاً عن «المصري اليوم»