عبدالله عبدالسلام
خلال الأيام الماضية، أوهمت الإدارة الأمريكية العالم.. بأن الانقسامات العميقة داخلها، وبين أعضاء حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً».. المؤيدة لترامب، حول خطورة التورط الأمريكي في إيران، جعلته يؤجل قراره أسبوعين. رموز اليمين الأمريكي «تعاركوا» أمام الكاميرات – رافضين أو مؤيدين – بينما كان ترامب يعقد اجتماعات مكثفة مع فريق الأمن القومي.. لوضع اللمسات الأخيرة للضربة الأمريكية الساحقة على المنشآت النووية الإيرانية الثلاث: فوردو ونطنز وأصفهان. جرى التنسيق مع إسرائيل.. كما لم يحدث من قبل. الضربة لم تكن وليدة الساعات الماضية. التدريبات الأمريكية-الإسرائيلية على الهجوم مستمرة منذ عام. إنها عملية الخداع الكبرى.. التي رفض كثيرون تصديق حدوثها.
بضربته، نقل ترامب اللعبة إلى مكان آخر تماماً. فرض وقائع جديدة على الأرض. هذا زمن فرض الشروط الأمريكية والإسرائيلية. مطلوب من إيران.. إما الانصياع الكامل، أو المخاطرة باستئناف الهجمات. وعندها سيكون النظام الحاكم – نفسه – الهدف، رغم تسريبات عن تطمينات أمريكية.. بعد هجوم فجر أمس، بأن النظام في أمان. لكن ترامب يمكنه تغيير رأيه دون خجل أو حاجة للتبرير.
في بداية الأزمة تحدث عن السماح لطهران ببعض التخصيب، ثم خضع لنتنياهو، وأصر على «صفر تخصيب». إنه يعيش حالياً لحظة نشوة.. بنجاح ما وصفها بالعملية العسكرية «الرائعة». يشعر بأنه سيكون له «إرث» سيتذكره التاريخ.. بعد «وأد» مشروع إيران النووي. الرؤساء الأمريكيون يسعون لترك مثل هذا الإرث، وينجحون فقط في الشرق الأوسط.
إلا أن تطورات اليوم التالي.. قد تكون مزعجة، أو تقلل من وهج النشوة والفخر، وشعور العظمة.. الذي يتلبس ترامب حالياً. هناك تقارير أن إيران نقلت المواد المخصبة من المنشآت التي تعرضت للهجوم، وأن ما تم ضربه هو المباني فقط. ماذا لو كان ذلك حقيقة؟، ترامب قال إن أي رد انتقامي سيُقابل بقوة أكبر من حدث أمس.
ماذا سيفعل؟ وهل سيجد نفسه مجبراً على إرسال قوات عسكرية، ربما بعد فترة إلى إيران؟ الحكومة الإيرانية أمامها خياران.. في ظل الوضع الخطير المستجد؛ إما الاستسلام في ساحة المفاوضات – كما يصر ترامب – أو القتال حتى النهاية. ماذا لو كان الخيار الثاني؟.
نجح نتنياهو في «إغراء» ترامب بالتاريخ والشعبية، فحقق له ما كان يحلم به منذ 30 عاماً. لكن ترامب لا يدرك أن عملية «اختطاف» رئاسته.. بدأت بالفعل. ستخيم تداعيات ضرب إيران على بقية فترته. المسألة ليست صفقة عقارية تنتهي بعد البيع، ويتم الانتقال لصفقة أخرى.
تجارب التاريخ، التي لم يتعلمها، تقول غير ذلك. من السهل إشعال الحروب، لكن من الصعب إنهاؤها. إنه يعتقد أن الحرب من الجو كفيلة بإنقاذه مما انزلق إليه بوش الابن في العراق وأفغانستان. الواقع المعقد لا يمكن إعادة تشكيله.. من «كابينة» طائرة عسكرية.
جاء ترامب إلى المنطقة قبل أسابيع، وتعهَّد بالسلام والرخاء، وترك شعوبها يقررون مصيرهم.. دون تدخل من الخارج.
الآن، يهاجم واحدة من أقدم وأكبر دولها.
«جريمة» ترامب.. تؤكد أنه عندما يكون على أمريكا الاختيار، فإنها تنحاز دون تفكير مع إسرائيل. ومع ذلك، هناك من لا يريد استيعاب الدرس.
نقلاً عن «المصري اليوم«