عبدالله عبدالسلام
في السنوات الخمس الماضية، واجه العالم أزمات وكوارث وحروباً لم تكن تحدث من قبل خلال 50 عاماً أو تزيد. لكن في ظل هذه الأوقات الخطيرة والمتقلبة، يتردد كثير من قادة العالم، بل ورؤساء الشركات والمؤسسات الكبيرة والصغيرة، في اتخاذ قرارات شجاعة لمواجهة ما يجري. بعضهم ينكمش ويشعر بالإرهاق، ويفضِّل بقاء الحال كما هو عليه.. انتظاراً لزوال الأزمة ونهاية الفوضى. المفارقة المؤلمة أن المشاكل تزيد، والتحديات تتصاعد، والأزمات لا تنتهي.
عالم اليوم يفتقد – كما يقول رانجاي جولاتي، أستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفارد الأمريكية – إلى قادة.. أصحاب جرأة وشجاعة وإقدام. ويخلص – في دراسة علمية وميدانية – إلى أن الحظ في أن يمشي وراء المغامرين، وأصحاب الجرأة والشجاعة. الدراسة شملت 4700 شركة أمريكية.. مرت بـ 3 فترات ركود اقتصادي. 9٪ فقط من هذه الشركات، تمكنت من الخروج أقوى.. بعد الأزمات التي واجهتها، ليس فقط لأنها قللت التكاليف والنفقات، ولكن أيضاً، لأن قادتها اتخذوا قرارات شجاعة.. لكن محسوبة، للاستثمار في النمو. الشجاعة هي التي أنقذت تلك الشركات القليلة من الإفلاس والضياع.
لماذا يُقدِم بعض القادة والمسؤولين على اتخاذ قرارات وخطوات جريئة، بينما يتردد آخرون – بل يقومون – بعملية «تجميد» للوضع؟ الدراسات أشارت إلى أن المواقف تفرض أحياناً على الشخص.. أن يكون شجاعاً في اتخاذ قرارات، حتى ولو لم يكن كذلك. الشجاعة هنا، تعني الاستعداد للقيام بعمل جريء، محفوف بالمخاطر.. لتحقيق هدف جدير بالمغامرة من أجله. عادة ما تنتاب صانع القرار مخاوف.. لما ستؤول إليه الأمور بعد خطوته تلك. الشجاعة هنا مهمة للغاية. إنها ليست غياب الخوف، فهو موجود دائماً، لكنها – كما يقول نيلسون مانديلا – الانتصار عليه.
لكن القرار أو الإجراء الشجاع ليس رصاصة في المجهول، ربما تُصيب أو تفشل في تحقيق الهدف. إنها – كما توضح كاثلين ريردون، أستاذ الإدارة والتنظيم بجامعة ساوثرن كاليفورنيا – مقامرة ذكية قائمة على تدبير وتخطيط دقيقين، يتضمنان تقييم المخاطر والمكاسب. بعضنا يُولد، ولديه جينات شجاعة والبعض الآخر يفتقدها. لكن مؤلف الدراسة يعتقد أن الشجاعة مهارة.. يمكن تَعلُمها وتعليمها للآخرين. ويقدم عدداً من الاستراتيجيات في هذا المجال، مثل تحديد التهديدات أو المشاكل، والبحث عن إشارات مضيئة، ولو بشكل خافت وسط الظلام. أيضاً هناك ضرورة للثقة بالنفس، وأن يتدرب الشخص على ذلك من خلال العمل تحت ضغط وفي أوقات الخطر.
عالمنا ينقسم إلى قادة مغامرين.. دون حكمة أو رؤية، يتخذون أخطر القرارات التي تؤثر على البشرية.. دون أن يهتز لهم جفن مثل ترامب، وقادة مترددين يفضلون السكون على الحركة، وينتظرون مرور الريح. لكن للأسف، يتواصل هبوب الرياح العاتية، فتزداد مشاكلهم ومعها أزمات شعوبهم. يبررون هذا العجز.. عن اتخاذ قرارات في اللحظات المناسبة بالرغبة في الاستقرار.
المشكلة، أن العالم متقلب ومتغير بوتيرة خطيرة. محاولة النأي بالنفس، والصبر حتى تنقشع غمة استراتيجية.. غير مناسبة حالياً. الآخرون يفهمونها.. على أنها ضعف وعدم قدرة. هذا هو وقت الشجاعة. وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: «قِف دون رأيك في الحياة مُجاهداً، إن الحياة عقيدة وجهاد».
نقلاً عن «المصري اليوم»