Times of Egypt

أزمة حجب الثقة.. استقالة حكومة بارنييه تهز عرش ماكرون

M.Adam

أفادت وسائل الإعلام الفرنسية أن رئيس الوزراء ميشيل بارنييه سيقدم استقالة حكومته اليوم الخميس 5 ديسمبر الجاري، وذلك بعد أن تعرضت حكومته إلى تصويت حجب الثقة من البرلمان الفرنسي. وبحسب قناة BFMTV الفرنسية، قالت مصادر مطلعة إن بارنييه سيحضر إلى قصر الإليزيه في الساعة العاشرة صباحًا بتوقيت باريس لتقديم استقالته للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أن يلقي الأخير كلمة في المساء.

جاءت استقالة بارنييه بعد تصويت 331 نائبًا في البرلمان الفرنسي لصالح حجب الثقة عن حكومته، استجابة لمبادرة حزب “فرنسا الأبية” اليساري يوم الأربعاء. وبتلك النتيجة، أصبح بارنييه صاحب أقصر ولاية في تاريخ الجمهورية الخامسة في فرنسا، إذ لم تدم حكومته سوى 90 يومًا فقط.

وتمثل استقالة حكومة بارنييه أول استقالة لحكومة في فرنسا نتيجة لحجب الثقة منذ عام 1962، لتدخل البلاد مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي.

ضغوط سياسية لحجب الثقة

وتأتي هذه الاستقالة بعد أن توحدت أحزاب اليسار واليمين الفرنسي في دعم اقتراح حجب الثقة عن الحكومة بسبب خلافات حول الميزانية السنوية التي اقترحها بارنييه. ومن بين أبرز القضايا التي أثارت الجدل، كانت المقترحات الخاصة بزيادة الضرائب، وفرض تخفيضات في الإنفاق بمقدار 60 مليار يورو بهدف خفض العجز في الميزانية إلى 5% في العام المقبل. وقوبلت هذه التدابير برفض شديد من الأحزاب المعارضة، التي اعتبرتها إجراءات قاسية.

وفي محاولة منه للبقاء في منصبه، استخدم بارنييه آلية دستورية لتجاوز التصويت في البرلمان بشأن ميزانيته لعام 2025، وهو ما أثار غضب المشرعين في اليسار، الذين كانوا قد تعهدوا بالإطاحة به. كما تم دعم اقتراح حجب الثقة من قبل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، وهو ما دفع بالحكومة إلى السقوط.

بارنييه حاول الدفاع عن حكومته في جلسة البرلمان قائلاً إنه “ليس خائفًا”، لكنه حذر من أن إقالته ستجعل الوضع أكثر تعقيدًا. وفي أثناء المناقشة، انتقدت زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتشدد، مارين لوبان، موقف بارنييه، حيث قالت إن “تمسكه العنيد بالمبادئ منعه من تقديم أي تنازل يمكن أن يمنع هذا السقوط”.

من جانبه، اتهم بارنييه اليمين المتطرف بالابتزاز السياسي، مشيرًا إلى أن الحزب وافق على بعض تنازلاته المتعلقة بالضرائب قبل أن يطالب بالمزيد. وكان بارنييه قد تولى منصب رئيس الوزراء في سياق سياسي هش بعد انتخابات مبكرة، لم تحقق أي فصيل سياسي فيها أغلبية، ما جعل حكومته تواجه تحديات صعبة منذ البداية.

ماكرون أمام أزمة جديدة

مع استقالة حكومته، تجد فرنسا نفسها أمام أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عيّن بارنييه لتشكيل حكومة أقلية بعد انتخابات صيفية قسمت البرلمان إلى ثلاث فصائل غير متوافقة، سيضطر الآن لاختيار رئيس وزراء جديد، في مهمة صعبة للغاية بالنظر إلى الانقسامات السياسية الحالية.

من المتوقع أن يواجه ماكرون صعوبة كبيرة في اختيار شخصية تحظى بتأييد كل من اليسار واليمين المتطرف، حيث لم يعد من الممكن تقديم مرشح يحظى بالإجماع السياسي. كما أن هناك ضغوطًا شديدة لتقديم ميزانية جديدة قبل الموعد النهائي في 21 ديسمبر الجاري، وإذا فشل البرلمان في تمريرها، فسيضطر ماكرون إلى اللجوء إلى “قانون الاستمرارية المالية” لتجنب إغلاق الحكومة، وذلك من خلال الحفاظ على مستوى الإنفاق الحالي وتحصيل الضرائب.

وفي خضم هذه التطورات، تتزايد الانتقادات للرئيس ماكرون، الذي أصبح في وضع أكثر ضعفًا من أي وقت مضى. مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية الثانية، فقد زادت الدعوات التي تطالب ماكرون بالاستقالة، وهي الدعوات التي قد يستغلها بعض المشرعين، مثل مارين لوبان، للضغط على ماكرون مقابل دعمهم لمرشح رئيس الوزراء.

كانت شعبية ماكرون قد تراجعت بشكل كبير بعد انتخابات يونيو الأوروبية، التي أسفرت عن نتائج غير حاسمة وأدت إلى تشكيل البرلمان الفرنسي في وضع هش، ما أسهم في تعميق أزمة السلطة. ومن ثم، كان لإقالة بارنييه من منصبه تأثير كبير على مصير ماكرون السياسي.

فرنسا على مشارف أزمة اقتصادية

من جانب آخر، تواجه فرنسا أيضًا تحديات اقتصادية ضخمة، حيث ارتفع الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزًا 111% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية. جزء من هذا الدين كان ناتجًا عن الإنفاق الضخم للحكومة خلال أزمة كوفيد-19 وأزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا.

وقد كانت اقتراحات الميزانية التي قدمها بارنييه تتضمن زيادات ضريبية وإجراءات تقشفية، وهو ما قوبل بمقاومة شديدة من المشرعين، ما دفعهم إلى تحريك اقتراح حجب الثقة. بعض التوقعات تشير إلى أن هذه التطورات السياسية قد تؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي في فرنسا، في وقت تعاني فيه البلاد من آثار التداعيات الاقتصادية العالمية.

شارك هذه المقالة