عبدالله عبدالسلام
حادثة الطريق الإقليمي – التي راح ضحيتها 19 فتاة والسائق، يوم الجمعة الماضي – دقت أجراس الإنذار.. بشأن أمور كثيرة؛ منها معايير بناء الطرق، والصيانة، والمتابعة المرورية، والكشف الدوري على السائقين، وحقوق العمالة، والتأمين عليهم.
كل تلك القضايا.. مرتبطة بموظفي الدولة،أو الموظف العام.. الذي إذا صلح، صلحت البلاد وتقدمت.
قد تكون الخطط على أعلى مستوى، والأموال مرصودة، لكن دور هذا الموظف حاسم، فهو الذي يحدد الفارق بين النجاح والفشل.
وإذا كانت الدعوات تتواصل.. لتوسيع دور القطاع الخاص، وإتاحة فرصة أكبر أمامه.. للمشاركة في البناء والتنمية؛ فإن تغيير طريقة اختيار الموظف العام، وتحديد أسلوب عمله، والرقابة عليه، بحيث يماثل العاملين في القطاع الخاص.. أو يفوق؛ قد تكون المخرج من أزماتنا الحالية. الموظف العام، هو الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم.. في خدمة مرفق عام.. تديره الدولة. ويكتسب الفرد صفة الموظف العام، بصدور قرار تعيينه من السلطة المختصة.
على أكتاف هؤلاء الموظفين، قامت النهضة في أوروبا، وتأسست إمبراطوريات بريطانية وفرنسية وغيرها.
الآن، تسعى الدول.. التي شقت طريقها للتقدم – مثل الصين والهند – إلى إحداث ثورة في طريقة اختيار وعمل الموظف العام. لم يعد اختيار الشخص للعمل في الحكومة.. يأتي بالتعيين، أو بمسابقة صورية، بل بامتحانات عسيرة.. ربما تكون الأصعب في حياته.
رغم نمو القطاع الخاص في الهند، فإن الوظيفة الحكومية لا تزال تحتفظ ببريقها. إنها تتيح الفرصة لتمتع الموظف بمستوى معيشي واجتماعي مرتفع. في العام الماضي، أعلنت الحكومة الهندية عن وظيفة في المستويات العليا للإدارة (درجة مدير أو ما يعادلها). تقدم للوظيفة 1.1 مليون شخص، جرى اختيار ألف فقط ممن اجتازوا الامتحانات.
مجلة «الإيكونوميست» – في تقرير لها – وصفت الامتحانات التي يخضع لها المتقدمون للوظائف الحكومية في الهند.. بأنها عملية شاقة، طويلة للغاية.. تمر بعدة مراحل. أسئلة عامة، وأخرى تطلب من المتقدم كتابة تقرير – في حدود ألف كلمة – عن موضوعات على شاكلة: «إمبراطوريات المستقبل، ستكون إمبراطوريات العقول». ومن ينجح، يخضع لمقابلة نهائية تحدد مصيره.
في الصين، الأمر مماثل.
امتحانات شديدة الصعوبة والتنوع، يخضع لها المتقدمون؛ بحيث يجرى اختيار الأفضل.. عبر تصفيات تتم على مراحل. ولأن القطاع الخاص يعاني من تباطؤ النمو، يتزايد الإقبال على الوظيفة الحكومية. في العام الماضي، اجتاز 3.4 مليون صيني الفحص الأولي.. لامتحان الخدمة المدنية الوطني، لكن في النهاية.. حصل حوالي 40 ألفاً (أي ما يعادل 1.5٪ فقط) على وظائف في الدولة الصينية.
الموظف العام – في ظل الثورة التكنولوجية – لم يعد ذلك الشخص القابع على مكتبه، ومهمته تعقيد الإجراءات أمام المواطنين.. أكثر من تسهيلها. لم تعد البيروقراطية، وتطبيق اللوائح نصاً – وليس روحاً – وظيفته. بل أصبح جزءاً من آليات التقدم. لابد أن يكون حاصلاً على تعليم أفضل، ولديه مهارات وخبرات.. لا تقل – إن لم تزد – على ما يحظى بها زميله في القطاع الخاص.
لو كان لدينا مثل هذه النوعية من الموظفين الحكوميين، ربما ما كانت الأمور تصل إلى وقوع مثل هذه الحادثة المأساوية، ولربما تغيرت أمور كثيرة في مصر.
نقلاً عن «المصري اليوم«