عادل نعمان
أولادنا ينفُرون ويهاجرون، ويشدون رحالهم إلى بلاد.. لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس، يحملون أثقالهم وأوزارهم، وأوزار من أغلقوا في وجوههم أبواب الرزق الحلال، ويحل ويستوطن ديارهم وشوارعهم، لاجئون من كل حدب وصوب، يتجولون ويتسولون ويستمتعون بدفء الشمس على الأرصفة، ويلتحفون بعطف المصريين وتراحمهم. وصدق أجدادنا الأفاضل، حين قالوا في حق الأب – الذي تخلى وفارق زوجته وهجر أولاده – وتزوج غيرها: «يا مقيط قرطة عيال». ولا أجد فارقاً يُذكر بين هذا الأب، وبين دولتنا الحنون: «يا مربي في غير ولدك، يا باني في غير ملكك». وفي رواية أخرى: «يا مربي في غير ولدك، يا زارع في غير أرضك».
وتحت دعاوى حق اللجوء، فتحنا شوارعنا للمتسولين وهم كثر، واستقبلنا في بيوتنا ومحلاتنا من اللاجئين، من زاحم المصريين لقمة عيشهم وأرزاقهم، إلى جانب ما يتقاضونه من المنظمات الدولية.. دون سداد ضرائب أو مستحقات للدولة. ومن النساء من تتقاضى منهن أكثر مما تتقاضاه الأم المصرية.. التي تجري وتعدو وتشقى لتربية أولادها، بغية المنظرة والتباهي والتفاخر. (الإحصائيات تقرر أن عدد اللاجئين في مصر يقترب من تسعة ملايين لاجئ، حسب إحصائية عن منظمة الهجرة الدولية عن عام 2022).
الغريب، أن هذا الاستبدال، وهذه المقايضة.. ليست في صالح «التركيبة السكانية أو المهنية»، فإن معظم المهاجرين المصريين من الشباب؛ منهم العمالة العادية، وخريجو الجامعات، وحملة الشهادات المتوسطة، وأصحاب المهن والحرف، والعمالة المدربة. ومعظم النازحين من أصحاب المهن المزاحمة والمتسلقة، وغير المهرة، ومنهم أعداد – ليست قليلة – من المتسولين، يفترشون الشوارع والميادين.. في مشهد مأساوي وكريه أيضاً.
أما عن ظاهرة السرقة والسطو والتثبيت.. فحدّث ولا حرج؛ فتحمل إلينا أخباراً من الجنوب في النوبة، وفيصل في الجيزة، وسرقة السيارات هنا وهناك. كما تنوعت أشكال الجريمة، وثقافتها الواردة.. «ثقافة الاغتراب». والغريب أنهم شجعوا الكثير من الناس البسطاء.. على دخول عالم الجريمة، وإن لم يكن لهم تاريخ مسجل في عالم الجريمة.. مما يجعل الأمر أكثر صعوبة على رجال الأمن، وليس هذا مبرراً لتقاعسهم، فقد كان من اللازم أن تنشغل الداخلية – منذ بزوغ ظاهرة الجريمة الوافدة – بدراستها، وسد منافذها.. دون انتظار لتفاقم الظاهرة، حتى وجدت نفسها في مواجهة جرائم ذات ثقافات متعددة، ومعقدة، وغريبة – للأسف أضيفت لعالم الجريمة – منها بيع الأعضاء.
وإذا كانت مصر قد وقعت على معاهدة اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وبروتوكولها لعام 1967، وكذلك اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969.. التي تحكم الجوانب المحددة لمشاكل اللاجئين في أفريقيا. وبموجب هذه الاتفاقيات، تلتزم مصر بحماية حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء، إلا أن هذا الالتزام.. لا يجب أن يكون سبباً في فتح الحدود على مصراعيها، لاستقبال أصحاب السوابق أو المتسولين يملأون الساحة فوضى وانحلالاً. ولست أعني كل اللاجئين بالطبع، لكن عادة.. فإن قدر رائحة المسك والطيب تضيع وسط الروائح العفنة.
وأتصور أن هذه المعاهدة، تخص أصحاب اللجوء السياسي، وليس النزوح الكاسح الفوضوي، الذي يحتاج إلى بنية أساسية.. تستوعب هذه الأعداد الهائلة، التي دخلت البلاد تحت دعاوى الأخوة، وكان منهم الكثير لم يراعوا هذه الأخوة. وأتصور أن هذا النزوح له شروط، وأماكن ومعسكرات.. لا يخرجون منها، ولا لوم على البلاد الموقعة على هذه الاتفاقيات، حين تحتاط من هذا الاكتساح العشوائي، وتضع له الشروط والحدود.. التي تحافظ بها على أمن الوطن والشعب، وتركيبة المجتمع وقواعده وثقافته، ولا يتعارض هذا مع الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين.
لستُ عنصرياً، أو أحادي النظرة، إلا أنني أرى أن دولاً كثيرة – تحيط بنا من كل جانب – أغنى وأكثر ثراءً، وتتغنى بالأخوة في الله، والتواد والتراحم والتعاطف.. حتى ظن الناس أنهم إذا اشتكوا من الفقر في بلادهم، وأُجبِروا على النزوح والتهجير، تداعوا لهم بالسهر والحمى؛ فلا سهروا ولا سألوا ولا استجابوا. وحرصوا – أشد ما يكون الحرص – على فصل هذه السلبيات عن المجتمع، بل حزمت هذه الاتفاقيات وحددتها وسورتها، وجعلتها محدودة الزمان والمكان، وكانت محددة.. في استقبال اللاجئين وإعدادهم، وخشنة أيضاً وعنيفة.. في التعامل مع من يخترق النظام والقانون. وهذا لا يتعارض بتاتاً مع الاتفاقيات الدولية. فإن حماية أمن الوطن والمواطن.. يسبق كل هذه التعهدات، التي وإن جارت وهددت أمن الدولة والمواطن، وهددت استقرارهما، فإن المعاهدات والاتفاقيات كلها توقف.. حتى تعتدل وتستقيم.
واسمحوا لي أن ألفت نظر المسؤولين إلى هذه الأعداد الهائلة من المتسولين والمتسولات.. في مدينة السادس من أكتوبر، وهم يصطفون – في صفوف متراصة في الشوارع والميادين – بل ويسيرون في جماعات.
هذه الظاهرة تتفاقم، وتنذر بخطر شديد، وإن لم نسارع في حل مشكلة التسول.. على وجه الخصوص والعموم، فإن التسول بالعصا قادم لا محالة.. على نظام «حسنة وأنا سيدك».
(الدولة المدنية هي الحل)
نقلاً عن «المصري اليوم»