عبدالله عبدالسلام
قُبيل نهايات حكم المحافظين عام 1997، استيقظ البريطانيون على ضجة كبرى. هرب عدد من السجناء من سجن «شديد الخطورة» في إنجلترا. أسرع وزير الداخلية مايكل هوارد بإقالة مدير السجن.. الذي شن حملة إعلامية ضده؛ قائلاً: «الوزير كان يتابع يومياً ما يحدث فى السجن. إذا كنت أستحق الإقالة، فعليه الاستقالة أيضاً، لأننا شركاء في المسؤولية».
في لقاء على تليفزيون «بي. بي. سي»، سأل المذيع الشهير آنذاك جيرمي باكسمان الوزير هوارد: هل كنت تتابع يومياً ما يجري في السجن؟ تملص الوزير من الإجابة. كرر باكسمان السؤال 14 مرة.. بنفس النص. لم ينفِ هيوارد أو يؤكد. فاز باكسمان بجائزة صحفية على مثابرته، وتعرَّض الوزير لانتقادات شديدة.
ضياع المسؤولية، يولد الفشل والأزمات. إذا لم يتم تحديد دور المسؤول بدقة، ستنفجر المشاكل وتتحول إلى أزمات.
مشكلتنا في مصر أعمق. ليس هناك ما يسمى بمواصفات الوظيفة. ما هي حدود صلاحيات المسؤول؟ أين تبدأ ومتى تنتهي؟
كثيراً ما ينتزع المسؤولون صلاحيات زملائهم أو مرؤوسيهم، والعكس صحيح. حتى عندما تتحدد المسؤوليات.. تكون عامة وغامضة. من بين سلطات المحافظ مثلاً: «يكون المحافظ مسؤولاً عن الأخلاق والقيم العامة وعن حماية حقوق الإنسان بالمحافظة»..كما في مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد.
هل هذا النص واقعي؟معظم مسؤوليات المحافظ إشرافية وليست تنفيذية، لأن المنوط بذلك مديرو المديريات بالمحافظات. ما لا يقل عن 25 اختصاصاً ومهمة للمحافظ، بينما الواقع يقول إن دوره – في ظل عدم تطبيق نظام اللامركزية – بشكل جدي ليس له تأثير مباشر على حل المشكلات الأساسية التي تواجه المواطن، كارتفاع الأسعار مثلاً.
مشكلة نواب المحافظين.. أشد تعقيداً. كان هدف التجربة – التي بدأت عام 2019 – «إتاحة الفرصة أمامهم، لتولي قيادة العمل التنفيذي في الفترات المقبلة، فضلاً عن إعدادهم وتدريبهم وتأهيلهم.. بالبرامج السياسية لتحقيق ذلك». لكن لم تكن هناك «مواصفات وظيفية»..تحدد صلاحياتهم ومسؤولياتهم. أدوارهم قليلة، وتقريباً نابعة مما يوكلها إليهم المحافظ.
هذه الهلامية جعلت بعضهم.. يحاولون خلق دور حقيقي لهم، وفي الغالب يكون ذلك على حساب المسؤولين الآخرين – خاصة سكرتير عام المحافظة – مما يفجر حساسيات.. بل ومشاكل عديدة. سكرتيرو العموم – الذين تقلبوا في المناصب التنفيذية – يعتقدون أن هؤلاء النواب يعتدون على صلاحياتهم، بل ينظرون إليهم.. باعتبارهم «شباب»،لم يكتسبوا الخبرة اللازمة في العمل التنفيذي.
بغضِّ النظر عن «الخناقة» – التي وقعت قبل أيام بين نائب محافظ سوهاج، وسكرتير عام المحافظة (السابق) – فإن الحاجة ملحة لإعادة النظر في تجربة نواب المحافظين، ودراسة هل أضافت؟ أم خصمت من العمل التنفيذي بالمحافظات؟
أعتقد أيضاً أن الإسراع بإصدار قانون الإدارة المحلية، وكذلك إجراء انتخابات المحليات (آخر انتخابات كانت عام 2008)..من شأنهما معالجة ثغرات كثيرة في الحكم المحلي، وإنقاذه من الوضع المزري الذي يعيشه.
المجالس المنتخبة في المحافظات، جناح رئيسي لا بديل عنه.. إلى جانب الحكم المحلي.
غياب الرقابة الشعبية على المحافظ والقيادات التنفيذية.. زاد من المشاكل، وضاعف الخلافات بين المسؤولين للدرجة المؤسفة التي شهدناها مؤخراً.
نقلاً عن «المصري اليوم»