Times of Egypt

آه!!

M.Adam
أحمد الجمال

أحمد الجمال 

ليس من باب «الروقان» وخلوِّ البال.. تأتي السطور التالية، ولكنها من باب التأمل التاريخي والحضاري، الذي يجعل من كل ذي معرفة – ولو بسيطة عابرة بتاريخ الأمم والشعوب، ومسار الحضارات والثقافات – موجوعاً، يتمنى لو وجد براحاً يقف فيه.. صائحاً بأعلى ما في عزم حنجرته وصدره وروحه: «آآه يا زمن البلطجة والعربدة المفترية الجاهلة»!

ثم إنه ليس أيضاً.. من باب مناصرة آيات الله وحججه، والعمائم السوداء والأخرى البيضاء، ولا من باب الاصطفاف في انتماءات مذهبية وطائفية، ولكنه من باب إعلاء شأن قيم الاستقلال الوطني، وامتلاك وسائل وقدرات حمايته، وكفالة تحقيق التقدم العلمي والتقني والاقتصادي والانطلاق الثقافي والإبداعي. 

ومربط الفرس في هذا الكلام أن الأحداث المتراكمة المتفاقمة.. عبر عقود طويلة في منطقتنا، والتي كان محركها الأساسي ومصدر سخونتها الحارقة.. هو نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ الأولى.. أدت – باتفاقيات سايكس بيكو، وسان ريمو – إلى التمزيق، والصراعات الحدودية والعرقية والمذهبية. والثانية.. أدت – بقيام الدولة الصهيونية وتفاقم المسألة الفلسطينية – إلى الانقلابات والثورات، واحتدام سطوة الاستعمار القديم ليحافظ على بقائه. 

وفي غمرة هذا كله، تناست شعوب المنطقة انتماءاتها الحضارية، ومساهماتها في الثقافة البشرية، وما حدث من تواصل وتلاقح بين تلك الانتماءات؛ حتى كادت تصبح حضارة واحدة متعددة الروافد متنوعة الفروع. 

وهنا يكون الحديث عن الحضارة الفارسية، ومساهماتها الكبيرة في الآداب والفنون، والتاريخ والملاحم، وعلوم اللغة والتفسير والتصوف، وغيرها! 

ولنجد أن إيران – التي يجري تدميرها مرحلة بعد مرحلة.. ويتم اختزالها في المذهب الجعفري الاثنى عشري، وهرمه الإكليروسي من آيات الله العظمى، وآيات الله، وحجج الله.. نزولاً لأصغر طالب في الحوزات الشيعية – هي موطن حضارة تليدة، وآداب وعلوم رفيعة، وشعراء وصوفيين.. من أعظم من أنجبته البشرية. 

إيران.. وريثة فارس.. الضاربة بجذور حضارتها في العصور القديمة، واتسعت جغرافيتها في مراحل زمنية.. لتضم بلاد فارس وأرمينيا وأذربيجان، وأجزاء من جورجيا والعراق والكويت وسوريا وداغستان، وأجزاء كبيرة أخرى من أفغانستان وتركمانستان والأناضول.. ناهيك عن وصول الفرس لليونان، واحتلالهم أجزاءً كبيرة هناك. 

إيران – المختزلة في الجمهورية الإسلامية والآيات، والنفط، وكراهية إسرائيل – قدمت للحضارة الإنسانية.. ما لم ولن تقدمه الجماعات اليهودية؛ منذ يعقوب وموسى.. إلى الدولة الصهيونية، وما لم ولن يقدمه.. البيض الأنجلوساكسون البروتستانت «WASP» الذين يحكمون الولايات المتحدة.

ويكفي في هذا المضمار، أن أسوق أمثلة على ذلك من عصور فارسية مختلفة، وهنا أنقل عن بعض المراجع في الشبكة العنكبوتية – خاصة ويكيبيديا – لأن مراجعي العلمية المعتبرة، ما زالت في كراتين النقل.. من مطرح قديم إلى مطرحي الحالي. 

في الأدب الفارسي.. نجد «كليلة ودمنة»، ونجد أشعار ناصر خسرو في «الديوان» و«روشنائي نامة» و«سعادات نامة»، وكتاباته في «زاد المسافرين» و«سفرنامة»، ونجد مؤلفات الغزالي وعمر الخيام والطوسي، والشيخ الطبرسي والفخر الرازي والسهروردي، والميداني والزمخشري والشهرستاني.. الذين كتبوا بالفارسية وبالعربية. ونجد الأدباء والشعراء العظماء الفحول: سعدي.. والرومي، وحافظ والجامي والجويني، ورشيد الدين والطوسي وعرفي الشيرازي، وصائب التبريزي وفيضي الدكني. وفيما بعد دخول المطبعة لفارس، تمت ترجمات معظمها.. من الفرنسية لفولتير وموليير وألكسندر دوما. 

ولم تقف حضارة وآداب فارس عند حدود إيران المعروفة حالياً، بل امتدت إلى الأجزاء الجغرافية.. التي كانت جزءاً من الإمبراطورية الفارسية؛ مثل جورجيا.. التي استمر انعكاس التأثير الفارسي عليها في الفنون والعمارة والآداب، حتى هيمنة الروس على جورجيا. 

إنني أذهب – مع الذاهبين – إلى أن من صميم صمودنا.. أمام الهجمة الهمجية النازية الصهيو-أمريكية، هو التمسك بهويتنا الحضارية.. الضاربة الجذور في عمق ووجدان الإنسانية. وهو الإصرار على فهم الصراع.. على أنه صراع حضاري-ثقافي؛ يريدون فيه مسح وجداننا وتكويننا الحضاري، وإن لم يتمكنوا من مسحه.. فإن المسخ هو البديل، لنجد بين ظهرانينا ممسوخين، متوحدين بالعدو.. توحداً دَنِياً منحطاً

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة