عبدالله عبدالسلام
في منتصف ليلة الجمعة 27 مارس سنة 1517م، جمع السلطان طومان باي ما بقى من أمرائه وقاداته، وخاطبهم وهو يكتم دموعه، فقال: «اعلموا يا أغوات أن دولتنا قد دالت، وآجالنا قد مالت، وما بقى لنا في هذه الديار نصيب». كان طومان باي قد تعرَّض للهزيمة في الريدانية، ثم فرَّ ليقود المقاومة في البهنسا جنوب الجيزة، فجمع فريقاً من المماليك والعربان والفلاحين، وأخذ يهاجم قوارب العثمانيين التي تعبر النيل، ولكن مناوشاته المتقطعة لم تفد بشيء. وفي 25 مارس 1517، هاجمه السلطان العثماني سليم عند وردان بالقرب من الجيزة، فهزمه للمرة الثالثة والأخيرة.
قبل الهزيمة بسنوات طويلة، كانت كل الدلائل تشير – كما يقول الكاتب المبدع الراحل صلاح عيسى – في كتابه «رجال مرج دابق.. قصة الفتح العثماني لمصر والشام»، إلى أن سنوات العز تذهب، وشمس المماليك – التي عاشت تحكم مصر والشام منذ 267 سنة كاملة – تغرب.
كان السلطان قانصوه الغوري قبل أن يتوجه لمحاربة السلطان العثماني في مرج دابق 1516، يخشى أن تكون المعركة نهاية سلطنته.. التي استمرت 15 عاماً. خلال تلك السنوات، كان يعيش مفتوح العينين عن آخرهما، لا يغمض له جفن، ولا يهدأ له بال. وكيف يهدأ، وهو يتوقع كل لحظة أن يَثِب عليه الأمراء، فينزعوه عن العرش، وترتفع سيوفهم لتمزق جسده وتريق دماءه دون أن يخفق قلب أحدهم بذكريات الصبا.. التي جمعتهم في ثكنات القلعة؟! نعم أقسموا له يوم صعد إلى العرش ممتنعاً.. ألا يخونوه أو يغدروا به أو يتآمروا، وأقسم هو الآخر على ألا يغدر بهم.. لكن، متى كان للمملوك قسم؟
عاشت دولة المماليك زمانها منقسمة على بعضها البعض. التمرد على السلاطين من جانب الأمراء وقادة الجند، أسلوب حياة. كان هم الجميع اكتناز الثروة، والانقضاض على الآخرين.. لمنعهم من الوثوب للسلطة. لم يجد المماليك وقتاً أو قدرة على استيعاب ما يجري حولهم. كانت أولى الضربات وأقساها.
… اكتشاف الرحالة البرتغالي فاسكو دا جاما عام 1488، طريق رأس الرجاء الصالح، الذي قضى على التجارة.. التي تمر عبر الموانئ المصرية بين الشرق والغرب. قبل ذلك، أغرت المماليك الأموال الطائلة، التي كانت تدخل خزائنهم من رسوم التجارة، فأهملوا الصناعة والزراعة ،وغالوا في الرسوم.. حتى ضاق التجار الأوروبيون. لم يتوقف البرتغاليون عند ذلك. جعلوا المحيط الهندي والموانئ المطلة عليه، ملكية خاصة بهم.
لم يتعظ المماليك ولم يتعلموا الدرس. زاد تمرد الجنود لنقص الأموال التي يحصلون عليها. منعوا الأمراء من الصعود للقلعة، وأجبروا الغوري على البقاء هناك. كان الحل فرض ضرائب أكثر على الرعية، ولكن إلى متى تتحمل الرعية؟
ترافق ذلك مع تزايد الأطماع العثمانية في مصر والشام وسائر بلاد العرب. ولكن كيف يحارب هؤلاء المماليك الغادرون الفاسدون المفسدون يا قانصوه؟ تساءل السلطان.. كيف يحاربون، وهم لم يخرجوا إلى التجريدة، إلا بعد أن تغالوا في طلب النفقة، وتمردوا على ما منحهم من مال؟ كانت الهزيمة وزوال دولة المماليك النهاية الطبيعية.
«من وحي الخلافات والشائعات والتسريبات.. حول الجامعة العربية ومصيرها»
نقلاً عن «المصري اليوم«