أحمد الجمال
تتصاعد وتيرة الجهل والكذب من الإعلام الإخواني، ودوائرهم التنظيمية السياسية، لأنهم يتصورون أن كلام إحدى العرافات أو الكاهنات.. حقيقة لا مناقشة فيها، وهذا دأبهم منذ اختاروا السيفين المتقاطعين رمزاً لهم، واجتزأوا الآية القرآنية وكتبوها تحته؛ ولذلك خاب سعيهم مرة تلو المرة.
لا بأس من فتح الملف عند بدايته، رغم أنني أشك في أن يتعلموا من التكرار.. فمنذ سنين – تعود إلى ما قبل يناير 2011 – كنت ألتقي قيادات منهم، وأيضاً ممن كانوا يمارسون الأدوار معهم، وفق نظرية تقسيم العمل.. أي فريق يزعم أنه ليس منهم ولكن!! وأن مهمته هي التكريس لما يسمى «الإسلام المستنير والتجديد والتحديث». وفريق يبادر إلى التواصل باسمهم – وباسم جماعات التأسلم السياسي – مع التيارات السياسية والفكرية الأخرى؛ خاصة القوميين والليبراليين والشيوعيين.. وفريق يقوم بالعمل الجماهيري الخدمي – من تعليم وصحة وشؤون اجتماعية – وآخرون في الهرم التنظيمي.. من أدنى المستويات إلى القمة، في مكتب الإرشاد الذي يعلوه المرشد، وفي ذلك حدث ولا حرج.. عن السرية والتمويه والتقية والتدريبات على حمل السلاح واستخدامه، واللياقة البدنية القتالية.
خلال تلك الفترة، لفت نظري شعارهم، وبدأت أنقب وأبحث.. إلى أن وجدت – في المصادر والمراجع الخاصة بالتاريخ الأوروبي في عصوره الوسطى – وبالأخص في أحلك سنواتها ظلمة – أن الأحداث تشكلت.. وفق صراع احتدم بين الأباطرة والباباوات.. حول من له الولاية على المجتمع أو الدولة.
هل هو الإمبراطور.. وريث أباطرة روما العظام المدعوم بالجيوش وبقوة السلاح وبالقبول الشعبي، لدرجة أنه كان إذا مات يدخل في نطاق التأليه؟ أم هو البابا الجالس على كرسي القديس بطرس في روما؟ وبطرس يعني الصخرة، لأنه في الأصل كان اسمه سمعان، وخاطبه السيد المسيح – له المجد – بقوله أنت الصخرة التي أبني عليها كنيستي، ولن تستطيع نار جهنم أن تقتحمها.
تصاعد الصراع حتى وصل إلى عصر البابا بونيفاس الثامن، والإمبراطور فيليب ملك فرنسا. وكانت الذروة عام 1302 ميلادية، عندما أصدر البابا بونيفاس بياناً اسمه «يونام سانكتام» يقول فيه بأحقيته في الولايتين – الدينية والسياسية – على الدولة والمجتمع والناس، وأسس ذلك على ما سماه نظرية «السيفين»؛ التي مؤداها عنده أن السيد المسيح.. أعطى للقديس بطرس سيفين متقاطعين، أحدهما مسلط على الرقاب من الناحية الدينية الإكليروسية، والآخر على الناحية الزمنية أي السياسية والاجتماعية، واستند إلى آيات في إنجيل لوقا فيها أن «سيفان يكفيان».
احتدم الصراع واستمر – وليس هذا مجال تفصيلاته – لكن نظرية السيفين.. التي أخذها الإخوان وجعلوها شعاراً، لهم تعود إلى أشد فترات العصور الوسطى ظلاماً. وكنت أتندر بـ «أنني أقطع ذراعي»، لو أن أحدهم عرف أصل حكاية السيوف، أو شرح للناس لماذا اجتزأوا الآية وكتبوا «وأعدوا…» فقط ولم يكملوها، لأن القوة المقصودة في بقية الآية.. تعني قوة العلم والعقل والتفقه الصحيح والعدل واحترام نواميس الكون والتعايش بين البشر، ثم يأتي بعد ذلك «رباط الخيل» عند اللزوم.. ولا مجال في فهم الآية لأن يزعم أحد – مهما كان ادعاؤه التدين – أنه هو وحده المتكفل بالتسلط على رقاب البشر.
تلك هي البداية.. التي تفصح عن جهل عصامي تليد، ثم تأتي بقية هذه البداية بالتمركز في منطقة القناة، والحصول على أول دعم مالي من الشركة الاستعمارية.. الغاصبة لحق مصر في امتلاك القناة، التي استشهد في حفرها أكثر من مائة وعشرين ألف مصري، ذلك لأنه بعدما فشل بونابرت وفشل كرومر.. في شق صفوف المصريين بفتنة دينية طائفية؛ قرر الاستعمار الأوروبي أن يقوم بالمهمة واحد من «داخل القلعة»، لأن القاعدة تقول: إن من يؤثر في سكان أي قلعة هو المؤذن من داخلها، أي من بين أهلها؛ وكان حسن البنا هو ذلك «المؤذن»، الذي سينفذ شق المجتمع المصري على أساس ديني طائفي.
لم تكن مصادفة أن يتم التأسيس والإعلان عام 1928 – في الفترة التي تصاعدت فيها الهجرة اليهودية الصهيونية إلى فلسطين – وكان ذلك هو التخطيط المبكر.. لجعل الصراع على أرضية دينية ومذهبية، وليس على أرضية التحرر الوطني.. في مواجهة الاستعمار الاستيطاني العنصري!
إنهم يتصورون – ويعتقدون – أن ذاكرة الشعوب ضعيفة.. ولا تتجاوز ثلاثة أيام، ولا يعرفون أن الشعب المصري هو النموذج البشري الفذ.. بذاكرة تاريخية منقوشة على الحجر، وفي أذهان ووجدان المصريين، ومنذ «نوت وجب.. وآمون ورع.. وتحوت.. وأوزيريس وإيزيس» وغيرهم، أدرك المصريون أن تماسكهم هو أساس توازن وقوة مجتمعهم، وأصل دوره الحضاري في محيطه، ولم يقبلوا أن يتوزعوا بين طوائف ومذاهب متصارعة.. إلا فى فترات الاضمحلال التي ضعف فيها جهاز المناعة الوطنية، فهاجمت جراثيم الفرس والهكسوس وغيرهم الجسد المصري ومزقته!
أعود إلى حكاية العرافة الكاهنة.. التي اتخذوا كذبها على محمل الحقيقة، وهم الذين يزعمون أنهم الإسلام الحقيقي، وينسون أن من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فيما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد.. وللحديث صلة.
نقلاً عن «الأهرام»