عبدالله عبدالسلام
بعض زعماء الدول الصغرى.. يمارسون أسلوب الأطفال المشاكسين. يريدون أن يلعبوا دوراً أكبر منهم، ومن دولهم؛ فيستخدمون كل وسيلة ممكنة – وغير ممكنة – للظهور.. وإثبات الذات. كنت أعتقد أن هذا الأمر خاص بالمنطقة العربية، أو الأفريقية، أو دول العالم الثالث فقط. لكنه موجود في الدول المتقدمة أيضاً. المجر – بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان – تمارس منذ سنوات.. دور الطفل المتمرد في الاتحاد الأوروبي. فأوربان.. يتخذ قرارات أكبر من حجم ونفوذ دولته، ويحاول المزايدة على مواقف الاتحاد الأوروبي في قضايا متوافق عليها.
أحدث محاولاته – لإثارة الانتباه، وتأكيد الأهمية – قراره الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية.. بعد ضربه عرض الحائط بقراراتها، واستقبال نتنياهو.. الذي أصدرت المحكمة أمراً باعتقاله؛ لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة. ورغم أن قوانين المحكمة.. تؤكد أن الانسحاب يسري بعد عام من تقديم طلب رسمي بذلك، بما يعني أن المجر – العضو بالمحكمة – مُلزمة باعتقال نتنياهو وتسليمه.. في كل الأحوال، إلا أن أوربان تذاكى – كما في كل أفعاله منذ تسلمه الحكم 2010 – ولم يحترم تلك القوانين، متهماً المحكمة بأنها أصبحت أداة سياسية. ولم تكن المحكمة كذلك، عندما أمرت باعتقال زعماء من العالم الثالث، لكنها ارتكبت جريمة التسييس فقط.. عندما تجرأت وعاملت نتنياهو بالمثل!
أوربان نفسه.. نموذج للزعيم الذي يحب إعطاء دروس عن العدالة ومنع التسييس، بينما يفعل العكس تمامًا.
اعتدى على قضاء بلاده، وحريات التعبير، وتغاضى عن الفساد. وعندما واجهه الاتحاد الأوروبي، تحجج بسيادة الدول.. التي تنتهكها المفوضية الأوروبية.
مارس دور الشريك «المخالف».. الذي تحدى قرارات الاتحاد الأوروبي، ولم يلتزم بمبادئ الشفافية، والديمقراطية، وحرية الرأي. وعندما فاض الكيل بقادة الاتحاد، جمَّدوا مليارات اليوروهات التي كان من المفترض حصول المجر عليها. عندها رد باستخدام حق النقض «الفيتو».. ضد قرارات الاتحاد المصيرية – خاصة تجاه أوكرانيا – بل ووقف مع موسكو.. في مواجهة الإجماع الأوروبي.
ورغم أن بلاده تستفيد من الاتحاد الأوروبي.. الذي يضخ لها كميات هائلة من أموال للاتحاد، فإنه اتهمه مراراً بأنه.. أداة بيروقراطية لعرقلة جهوده الاقتصادية والإصلاحية. أوروبا تجد نفسها في موقف صعب، تجاه التعامل مع هذا «المتمرد الصغير»، الذي يمثل شوكة في ظهرها؛ إذ يقف بقوة مع اليمين المتطرف، الذي يريد القضاء على الاتحاد. وفي نفس الوقت يصطف مع ترامب، الذي يشن هجوماً كاسحاً على القيم الأوروبية، ومن مصلحته تفكيك الاتحاد.
موقف أوربان.. الداعم لنتنياهو.. ليس شاذاً على سياساته؛ فهو يدافع بقوة عن أفعال إسرائيل في غزة. العاصمة المجرية بودابست.. مليئة بلافتات تؤيد إسرائيل، وتُحيي ذكرى قتلاها في 7 أكتوبر 2023.
… لكن ذلك، ليس سوى جزء من موقفه العام المناهض للأجانب، والمؤيد لطرد المهاجرين، وسحب الجنسية من غير البيض، ودعم إسرائيل.. في عدوانها الوحشي على الفلسطينيين. هل هناك موقف عربي.. من استقبال أوربان للقاتل نتنياهو، الذي وطأت قدماه – لأول مرة – أرضاً أوروبية، منذ صدور أمر اعتقاله في نوفمبر الماضي.
إنها سابقة ستتكرر، ما لم تتم مواجهتها، وقد تصبح القاعدة.
نقلاً عن «المصري اليوم»